الأكثر مشاهدة

“حياة في الإدارة ”، كتاب فريد في نوعه وطريقة سبكه، فهو سيرة ذاتية سلطت الضوء على الجانب الإداري من حياة المؤلف، وهي التي، أي السيرة، كانت ح...
اسم الكتاب :  صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي تأليف :  صموئيل هنتنغتون ملخص الكتاب :  صموئيل هنتنغتون هو أستاذ العلوم السياسي...
اسم الكتاب :  صديقي لا تأكل نفسك تأليف :  عبد الوهاب مطاوع ملخص الكتاب : الكتاب يقع في 114 صفحة من القياس المتوسط وهو مجموعة مقالات ...
اسم الكتاب :  ثروة الأمم تأليف :  ادم اسمث ملخص الكتاب : إن العمل السنوي لكل أمة هو رأس المال الرصيد الذي يمدها أصلاً بنا تستهلكه هذه ...
اسم الكتاب :  لماذا نصلي؟ تأليف :  محمد اسماعيل المقدم ملخص الكتاب :  لماذا نصلي؟ هل سبق و سألت نفسك هذا السؤال؟ ولو سبق و فعلت فهل اس...
اسم الكتاب :  صديقي ما أعظمك تأليف :  عبد الوهاب مطاوع ملخص الكتاب :  بدءًا من عنوانه ومرورًا بما تحتويه ثناياه من تجارب واقعية ومواقف...

كتاب رؤية استراتيجية: أميركا وأزمة السلطة العالمية

الكتاب واحد من اهم المؤلفات التي تشغل اهتمام الباحثين والمختصين بالعلاقات الدولية والاستراتيجية ،كونه يمثل رؤية تحليلية لمفكر من اهم المنظرين الاستراتيجين في العالم ،حيث تعد كتابات زبيغنيو بريجنسكي الذي شغل منصب مستشار الامن القومي الامريكي في عهد الرئيس كارتر من الاهمية بمكان ،بحيث لايمكن الاستغناء عنها في تحليل وتشخيص قضايا السياسة الدولية .

في كتابه رؤية استراتيجية "امريكا وازمة السلطة العالمية" ،يناقش بريجنسكي التحديات التي تواجه المكانة الامريكية في النظام الدولي ومستقبل النظام الدولي في ضوء مؤشرات تراجع الدور الامريكي وانتقال القوة العالمية من الغرب للشرق ،حيث ان عدم استغلال الولايات المتحدة الامريكية الفرصة السانحة التي وفرتها النهاية السلمية للحرب الباردة بعد زوال الخطر السوفيتي وانفراد القطب الامريكي بالعالم والذي لم يدم طويلا بفعل ادارة الرئيس جورج بوش الابن وتأثير الازمة الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة واوربا مقابل بروز دور القوى الاقتصادية الصاعدة التي نجحت في المزج بين سياسة التحرير الاقتصادي ورأسمالية الدولة ،كل ذلك ادى الى ظهور المخاوف على مستقبل القوة الامريكية وقيادتها للنظام الدولي .
بيد ان بريجنسكي يؤكد على حتمية القيادة الامريكية للنظام الدولي شريطة حل مشكلاتها الداخلية وتبني استراتيجية مستجيبة لمصالحها الاقليمية المختلفة ،حيث يتعين عليها ان تعزز وحدة اكبر واوسع في اوربا وصولا في اخر المطاف الى ضم روسيا وتركيا الى غرب اكثر حيوية ،اما في الشرق فلا بد لها من العمل على تحقيق التوازن والمصالحة بين قوى المنطقة الصاعدة ،وعلى تجنب التورط العسكري المباشر في صراعات القارة الاسيوية مع ادامة تحالفها مع اليابان وعلى ترسيخ علاقة تعاونية عالميا مع الصين.وللاجابة على ذلك يطرح بريجنسكي في طيات كتابه اربع تساؤلات مركزية تتمثل في :ماهي الاثار المترتبة على تغيير القوة العالمية من الغرب الى الشرق ؟وماهي اعرض انحدار امريكا اقليميا ودوليا وكيف اضاعت فرصتها في الريادة ابان الحرب الباردة ؟وماهي العواقب الجيوسياسية في اعقاب الانخفاض المتوالي لامريكا بحلول العام 2025؟وهل يمكن للصين ان تحتل مركزية دور امريكا في شؤون العالم ؟وماالذي تحتاج اليه امريكا لاستعادة نشاطها وايجاد توازن جيوسياسي جديد بعد عام 2025؟في اجابته عن السؤال الاول يخصص بريجنسكي الباب الاول من الكتاب للبحث في مااطلق عليه الغرب المتقهقرويقدم في ضور ذلك ثلاث مقاربات تتمثل الاولى في البحث في انبثاق القوة العالمية ،الذي يمثل استطراد تاريخي لظهور القوى الدولية والتي كانت اوربية في معظمها قبل القرن العشرين الى تدخل الولايات المتحدة الامريكية في الحربين العالميتين للحيلولة دون التفوق الالماني لتعلن بروز قوة جديدة متمتعة بحماية جيوسياسية جيدة ومن ثم صراع الحرب الباردة الذي انتهى بتفكك الاتحاد السوفيتي وانتصار القطب الامريكي –الغربي ،والتي لم تتمكن من الحفاظ على ذلك،ليتبلور اخيرا بتحرك القوة العالمية من الغرب لتستقر في الشرق.
امامقاربته الثانية تتحدث عن صعود اسيا وتشتت القوة العالمية،ويؤكد من خلاله بريجنسكي ان صعود اسيا يتمثل بتصاعد المكانة الاقتصادية لليابان والصين والهند ومااحدث ذلك من متغير فاعل في تراتبية القوة العالمية مصحوبا باندثار القوة الغربية –الامريكية وعدم استطاعة القوة الاوربية بريطانيا وفرنسا والمانيا العمل سويا في اطار الاتحاد الاوربي وتشكيل قوة اوربية موحدة سياسيا،حيث يظهر الاتحاد بمظهر الانقسام والتشتت بوحدته السياسية والتي لم يكن عليه الحال في الوحدة الاقتصادية فضلا عن ذلك عدم قدرة هذه القوى على تحمل مسؤولية القيادة العالمية لعدة مشكلات داخلية وخارجية .
وفي ثالث مقاربة يقدمها بريجنسكي في هذا الباب هي صدمة اليقظة السياسية العالمية ،حيث يشير الى ان العالم الان يشهد يقظة سكانية شبابية تختلف عن واقع العالم التقليدي ،اذ ان ثورة الاتصالات والمعلومات اسهمت بشكل كبير في تطور الوعي السياسي لمجمل سكان العالم ،ويمكن اعتبار الثورة الفرنسية المحطة الاولى في بروز ذلك الوعي ومااتبعها من تطورات ومتغيرات في السياسية الدولية مرورا باختراع الراديو وما صوت هتلر انذاك الا دليل واضح على ذلك ثم ظهور التلفزيون وشبكة الاتصالات ووصولا الى ظهور الانترنت وماعبر عنه من تطور كبير في عالم التواصل بين قارات العالم المترامي الاطراف ،ولم يغفل بريجنسكي على التركيز على اثر الفقر والتخلف في حياة السكان واعتبارها مناطق حاضنة للتطرف واثارة العنف ،ثم يتحدث عن دور الشباب العاطلين عن العمل الذين يعانون الفقر والظلم والاستبداد والذي انتج التغييرفي الشرق الاوسط في اشارة الى مايعرف بالربيع العربي.
اما في الباب الثاني من الكتاب فيبحث بريجنسكي في انكسار الحلم الامريكي متمثلا في اعراض انحدار امريكا اقليميا ودوليا وكل مامن شأنه ان يحدث نتيجة لتراجع الدور الامريكي في العالم،يتحدث بريجنسكي عن الحلم الامريكي المشترك من خلال قوة امريكا التي زاوجت بين المثالية والمادية فلايزال الوصول الى شواطئ امريكا يمثل حلم للكثير من الشباب في العالم الطامحين لحياة افضل وفرص عمل يوفرها واقع الفضاءات الرحبة والمفتوحة لامريكا وغياب التقاليد الاقطاعية ،فضلا عن مثالية امريكا الناتجة عن صورة النظام السياسي الامريكي المستقر وبطابعه المؤسساتي الذي حرص واضعو الدستور الامريكي على ان يبدو مثاليا براقا.
الاان بريجنسكي يبحث فيما بعد في نقاط ضعف الولايات المتحدة الامريكية ،ونقاط الضعف هي اولا معدل الدين القومي العام الذي تجاوز نسبة 60%من الناتج القومي الامريكي بينما ثانيا دين مالي مختل واما ثالثا تباين اجتماعي متعاظم ناتج عن الفرق الشاسع بين المواطنين الامريكيين في الحصول على الدخل وفيما يخص رابعا بنية تحتية متهالكة قياسا بالصين والقوى الاوربية الرئيسة واما الضعف الخامس هو هشاشة امريكا ،حيث جمهور جاهل لايعرف شئ عن جغرافية العالم والاحداث الراهنة والاحداث المحورية في تاريخ العالم واخيرا سياسة مأزومة نابعة من نظام سياسي متزايد الاختناق ومفرط في حزبيته.
ويحاول بريجنسكي تقديم مقومات القوة الامريكية التي يمكن من خلالها استعادة المكانة العالمية،وهي اولا قوة اقتصادية اجمالية حيث لايزال الاقتصاد الامريكي الاقوى في العالم بنسبة 25%من الناتج الاجمالي العالمي واما ثانيا فتمتلك امريكا طاقة ابداعية ابتكارية مستمدة من ثقافة مبادرة ومؤسسات تعليم عال متفوقة ،وفيما يخص ثالث نقاط القوة الامريكية فهو قوتها السكانية الديناميكية ،ولدى الولايات المتحدة قدرة على التعبئة التفاعلية متمثلة في قدرة صانعي القرار الاستراتيجي الامريكي على تحشيد الرأي العام الامريكي لمصالح امريكا في الخارج وهومايمكن اعتباره رابع مقومات القوة الامريكية ،اما الذخر الخامس فهو امتلاكها قاعدة جغرافية متميزة عن باقي القوى المنافسة ناتجة من موقعها الجيوسياسي المنعزل تقريبا عن العالم ووحدة سكانها وعدم معاناتها بمشكلات مع جيرانها ،اما ذخر امريكا السادس هو احتضانها باقة من القيم متمثلة في الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الانسان.
يختتم بريجنسكي الباب الثاني بالحديث عن حرب امريكا الامبريالية الطويلة والتي جاءت في اطار الحرب على الارهاب ضد كل من افغانستان والعراق والتي كانت مع حلول عام 2010 اطول حربين في تاريخ امريكا ،ومانتج عن ذلك من انعكاسات سلبية على مكانة امريكا في العالم والتي جسدتها الازمة الاقتصادية في اوضح صورة لها .
وفي الباب الثالث من الكتاب يجادل بريجنسكي بشأن عالم مابعد امريكا بحلول عام 2025والذي يستشرفه عالما ليس صينيا وانما فوضويا،فمن غير الممكن تصور بروز قوة كبرى تكون لهامقومات قيادة سياسية وعسكرية واقتصادية وهو مالايتوافر في القوى المرشحة فاليابان لاغنى لها عن التحالف الامني الاستراتيجي الامريكي والهند مرتبطة اقتصادياوسياسيا بالولايات المتحدة اما روسيا فماتزال تبحث عن اعادة السيطرة على مجالها الحيوي في الجمهوريات السوفيتية السابقة ،واما فيما يخص دول الاتحاد الاوربي فهي بعيدة عن امكانية توحيد سياسي ،واما الصين فمشكلاتها الداخلية الاجتماعية وطابعهاالسكاني الانفجاري وخلافاتها مع جيرانها تمنعها من انتاج قوة عالمية تتطلع لقيادة النظام الدولي .
ثم يتناول بريجنسكي الدول الاكثر تعرض للخطر الجيوسياسي في حالة تراجع دورامريكا وستظهر قائمة من الدول مثل اوكرانيا المهددة بالابتلاع من قبل روسيا ،وتايوان الذي تسند في وجودها على الضمانات الامريكية والذي اذا ماحدث اي تراجع فستصبح منطقة نفوذ صينية بلامنازع ،وكوريا الجنوبية التي تعاني صراعهامع كوريا الشمالية بسبب تمايزهما الاقتصادي،حيث سيؤدي اي تراجع امريكي الى تهديد امنها القومي بشكل لم يسبق له مثيل ،واما بيلاروسيا فهي تتمتع بعلاقات ايجابية مع روسيا بيد ان اي تراجع امريكي من شأنه ان يقدم فرصة امنة لروسيا لابتلاع بيلاروسيا بحد ادنى من استعمال القوة،واذاما تحققت الخطوة السابقة بنجاح تصبح اوكرانيا في بوتقة القوة الروسية الجديدة وماهو يعيد القلق من امكانية اعادة تشكيل الهيمنة الروسية على مناطق شرق ووسط اوربا.كما ان اي تراجع لدور امريكا في العالم يمكن ان تصبح افغانستان بموجبه موقع لتنافس باكستاني هندي ايراني كما يمكن في الوقت نفسه ان تعود افغانستان لتكون قاعدة ليس لتصدير المخدرات وانما ملاذا امنا للارهاب الدولي ،ولعل الحال ينطبق كذلك على باكستان التي قد تكون فريسة لنزاع هندي صيني يهدد الاستقرارفي المنطقة ،واخيرا فأن ابرز منطقة يمكن رؤية حدوث اكبر اظطرابات فيها هي الشرق الاوسط والذي سينتج عن تدهور دور امريكا عدم امكانية انهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وتبدد حل الدولتين وامكانية صدام مباشر بين الحركات الاسلامية حماس وحزب الله المدعومة من ايران ضد اسرائيل .
كمايذهب بريجنسكي الى الاعتقاد بنهاية حسن الجوار الامريكي مع المكسيك بسبب عدة عوامل ابرزها المشكلات الناتجة من هجرة اعداد كبيرة من المكسيكين الى امريكا بطريقة غير شرعية وهو مااسهم بتعقد العلاقات نتيجة لذلك والذي دفع الحكومة الامريكية لبناء جدار عازل على حدودها مع المكسيك فضلاعن ازدياد مشكلة نقل المخدرات من المكسيك الى امريكا.
يختتم بريجنسكي الباب الثالث من الكتاب في تناول المشاعات العالمية غير المشتركة والتي تقسم الى الاستراتيجة والبيئية،تشمل الاستراتيجية البحر والهواء والفضاء والميدان النووي ،اما المساحات البيئية تشمل المضاعفات الجيوسياسية لادارة الموارد المائية والمحيط المنجمد الشمالي وقضايا التبدل المناخي. ويؤكد انه فيما يتعلق بالمشاعات الاستراتيجة من الصعوبة الوصول الى اتفاق بين القوى الدولية المتنافسة لادارتها بسبب تباين المصالح اضافة الى ان معظم هذه المشاعات تقع تحت السيطرة الامريكية وحتى مع تراجع دور امريكا فأنها لن تستغني عن امتيازاتها لصالح القوى الاخرى ، وسيسهم ذلك في سباق نووي واخر للوصول الى الفضاء ممايجعل ذلك العالم يبدو اكثر فوضوية .اما فيما يخص المشاعات البيئية فأن العالم سيدخل في صراعات طويلة بسبب ندرة الموارد والمياه ،كما ان قضايا التحول المناخي تحظى من الاهمية بمكان ،بحيث لايمكن تجاوزها في تحليل ودراسة مستقبل النظام الدولي وابرزها الخلافات الدولية حول تحمل نفقات ادارة هذه الملف ومن ذلك ان الصين التي تنتج اكبر قدر من الانبعاثات الغازية الى العالم بنسبة 21%بيد انها ترفض الاظطلاع بدور الريادة في قضايا تغيير المناخ ،فضلا عن الصراع على ملكية المحيط المنجمد الشمالي في حال ذوبانه ومايحويه من النفط والغاز والمعادن التي تطل عليه خمس دول وهي امريكا وروسيا وكندا والدانمارك والنروج .
اما في الباب الرابع من الكتاب يتصور بريجنسكي واقعا دوليا مابعد عام 2025تتمثل ابعاده في توازن جيوسياسي جديدوتنبع تلك الرؤية الاستشرافية من رؤية هشاشة اوراسيا فيحدد بريجنسكي رؤيته الاستراتيجية لامكانية استعادة الولايات المتحدة الامريكية لمكانتها الدولية من خلال توجهاتها الجديدة والتي تتحقق اول ابعادها عبرانشاء غرب اوسع ودناميكي وحيوي ،يستفاد من اوربا المتجددة ويوسع حددودها،وذلك بضم روسيا وتركيا بتجربتهما المختلفتين وبرؤيتهما المتباينتين .
اماثاني ابعادها فأنها تتمثل في شرق جديد مستقر ومتعاون ويوصي بريجنسكي بتحقيق ذلك من خلال ضم الصين بفلسفتها التنموية الجديدة والهند كديموقراطية اكبر وادامة التحالف مع اليابان وكوريا ويرى في الصين اساسية في تحقيق الاستقرار ولايمكن الاستغناء عن دورها.
وفي الخاتمة فأن كتاب رؤية استراتيجية لبريجنسكي يمثل اهمية كبيرة كونه يقدم مقاربة غنية وجادة من خلال رؤية تحليلية استشرافية لدراسة امكانية تغلب امريكا على نقاط ضعفها وحل مشكلاتها الداخلية باستراتيجية مستجيبة لمصالحها الاقليمية المختلفة من اجل استعادة الولايات المتحدة الامريكية لمكانتها العالمية .
المصدر: 
محمد معزز الحديثي
الحوار المتمدن-العدد: 4311 - 2013 / 12 / 20 - 20:57
معلومات عن الكتاب :
اسم الكتاب : رؤية استراتيجية :امريكا وازمة السلطة العالمية 
تأليف :  زبيغنيو بريجنسكي
الناشر/دار الكتاب العربي/بيروت
الطبعة الاولى /2012
عدد الصفحات/222


                   

كتاب هجوم على العقل

يقول آل جور عبر كتابه "هجوم على العقل"، إن التضليل الذي يحدث في عملية صنع القرار داخل الولايات المتحدة، نتيجة سياسات الخوف والسرية والثقة العمياء، وهو الشيء الذي أدى، حسبما يقول جور إلى الهبوط بمستوى الديمقراطية وتعرض أميركا والعالم للخطر.
في بداية الكتاب، يعود جور إلى قواعد الديمقراطية وتبادل الأفكار أو ما يعرف بـ "سوق الأفكار" التي اعتمدها المؤسسون الأوائل للولايات المتحدة، والتي ساعدت على إبراز النموذج الديمقراطي الأمثل الذي أذهل العالم وجعله مبهوراً، حين بدأ يطل على سكان الأرض مع بدايات القرن العشرين.
وهذه القواعد يحددها آل جور في:
1- كانت سوق الأفكار مفتوحة لكل فرد دون أي موانع للدخول سوى شرط الإلمام بالقراءة والكتابة، وكان للجميع القدرة على "المشاركة" بالمعلومات المباشرة في نهر الأفكار الذي كان متاحاً للجميع.
2- مصير الأفكار المقدمة من الأفراد يعتمد على مدى استحقاق الأفكار المتاحة وجدارتها، دون النظر إلى ثروة الفرد المسؤول عنها أو طبقته.
3- تفترض قواعد الخطاب المقبول أن يحكم المشاركين جميعاً اتفاق ضمني على السعي إلى تحقيق موافقة جماعية، وهذا ما يعتبره آل جور هدفاً لـ"حوار الديمقراطية".
وهذه القواعد تعرف بـ"ثورة أميركا الديمقراطية" التي نجحت، لأن مؤسسي الولايات المتحدة أدركوا أن الحكومة الذاتية جيدة التصميم، التي يحميها نظام المساءلة والمحاسبة تعتمد على السمات الخاصة بسوق الأفكار، وبشكل أكثر تحديداً على قدرة الشعب الأميركي على إصدار الأحكام العقلانية المفترضة التي حسب المؤسسون حسابها في تخطيطهم.

الوسيط التلفازي
يقارن جور بين تلك القواعد والأخرى التي صارت تحكم الولايات المتحدة اليوم، حيث أصبحت قنوات التدفق الهائل للمعلومات تسير في اتجاه واحد فقط، خاصة بسبب السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة، وعل رأسها التلفاز الذي جعل من المحال على الأفراد المشاركين فيما يفترض أنه حوار قومي، المشاركة ولو بقدر يسير في هذا الحوار، ويؤكد أن الأفراد أصبحوا يستقبلون ولا يمكنهم الإرسال، ويمتصون ولا يمكنهم المشاركة ويسمعون ولا يمكنهم الكلام ويرون حركة مستمرة، لكن لا يمكنهم تحريك أنفسهم، ويزيد في تأكيده على ذلك المعنى فيقول إن "جماعة المواطنين الواعية" تواجه خطر التحول إلى "جمهور مفروغ منه".
ويلفت جور إلى واحدة من أهم مساوئ الوسيط التلفازي، التي تتنافى مع تقاليد الديمقراطية وتتمثل في ضرورة وجود رأسمال استثماري ضخم لامتلاك محطة تلفازية وتشغيلها، وهو ما أدى إلى تركيز ملكية هذه المحطات في يد عدد محدود من الشركات الكبرى التي تتحكم وبصورة مؤثرة في غالبية أعمال البرمجة التلفازية الأميركية وامتد هذا التحكم إلى البرامج الإخبارية، التي صارت تهتم بتحقيق أهداف تجارية بدلاً من أن تخدم الرأي العام كما هو مفترض.
وأحد الأمثلة الصارخة على الاهتمام بالجانب المادي على حساب الجانب الإخباري الذي يستهدف خدمة وتنوير الرأي العام، ما قامت به شبكة إن بي سي التي خفضت ميزانية قطاع الأخبار كي تحقق أرباحاً واقتطعت 750 مليون دولار، وهذا ما يؤدي إلى التأثير السلبي على العمل الإخباري فتخرج النشرات الإخبارية جوفاء، ويصبح هدفها تحقيق معدلات مشاهدة عالية وبيع إعلانات.

أعداء العقل
ينتقل آل جور إلى الحديث عما يعرف بإعداء العقل، والذين يسعون إلى التأثير عليه بشكل سلبي، محدداً إياهم بالخوف، والتضليل، والثروة، والأكاذيب المحبوكة، والهجوم على الفرد. وبدأ باستعراض ما يمكن وصفه بـ"سياسات الخوف". يقول إن الخوف أقوى أعداء العقل، والتهديد الذي يفرضه الخوف على العقل، يثير إغراء التنازل عن الحرية مقابل وعد خطابي أجوف بالقوة والأمن، وعندما يحل الخوف محل العقل تكون النتيجة دوماً بغضاً وخلافاً يفتقران إلى العقلانية والمنطق.
ويضيف أنه في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين ظهر عنصر جديد في الحوار القومي الأميركي، وهو بروز الخوف الدائم وحدته، فكان هناك دوماً زعماء يرغبون في إثارة قلق الناس بغية تقديم أنفسهم بوصفهم حماة الخائفين وهذا ما يراه آل جور قمة الغوغائية، أن نعد الناس بالأمن مقابل التنازل عن الحرية.

الخوف السلبي
يوجه جور اتهاما خطيرا للخطاب السياسي الحالي في الولايات المتحدة الذي جعل ثلاثة أرباع الأميركيين يصدقون بكل سهولة أن صدام حسين كان مسؤولاً بصفة شخصية عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وجعل عدداً كبيراً من الأميركيين لا يزالون يصدقون أن معظم مختطفي الطائرات في الحادي عشر من سبتمبر كانوا عراقيين.
كما اتهم الأسلوب الذي تتبعه الديمقراطية الأميركية التي جعلت أكثر من 40% من الأميركيين يقتنعون بمنتهى السهولة بأن العراق لديه أسلحة نووية، حتى بعد ما تم الكشف عن زيف أهم دليل، وهو وثائق سرية تصف محاولة نظام صدام حسين شراء خام اليورانيوم من دولة النيجر.
وهنا يؤكد أن الإدارة الأميركية استخدمت الخوف في التعامل مع العملية السياسية، بالقدر الذي أثر سلبياً على تسيير السياسة الأميركية.

تضليل المؤمنين
يعمد آل جور إلى تحليل الكيفية التي يتم بها تضليل المؤمنين كأحد أعداء العقل الرئيسيين، متناولاً العلاقة بين الإيمان والعقل والخوف، قائلاً إن الخوف يزيح العقل والعقل يتحدى الإيمان والإيمان يغلب الخوف، ويرى أنهم جميعاً ملوكاً لكنهم في مملكة واحدة ويمارس كل منهم سيادته وامتيازاته في وقت معين، ومكان معيّن حسبما تفرضه الظروف من قيود وحدود. ويرى جور أن العقل والإيمان يتعايشان داخل العقل البشري بصورة أسهل من تعايش العقل والخوف، وأن الخوف يعطل التوازن السهل بين العقل والإيمان، خاصة الخوف المنطقي الذي لا يبدده العقل بسهولة.
ويخلص إلى أن ذلك النوع من الخوف، يؤدي إلى ظهور التعصب والإيمان الأعميين، اللذين يندفعان لملأ الفراغ الناجم عن إقصاء العقل، وبالتالي ظهور صور جديدة للسلطة أشد استبداداً. ويلفت إلى أنه لسوء الحظ، فإن التعبيرات الحديثة عن القوة تنبع غالباً من آبار غائرة مسمومة وهي آبار المغالاة في القومية والصراعات الدينية. من هنا سعى الرئيس بوش لإخفاء سياسته لحرب غير معللة تحت عباءة الإيمان الديني، بتصوير غزو العراق على أنه المواجهة الأساسية في صراع طويل بين الخير والشر.
ويرى جور أن تلك واحدة من أبرز صور تضليل المؤمنين التي ظهرت في تاريخ الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار يؤكد أن عقيدة الرئيس بوش الرجعية وليس إيمانه الديني هي مصدر جموده المزعج والدافع الذي جعل يسير في طريق الكوارث العديدة التي جلبها للولايات المتحدة.

سياسات الثروة
يتناول جور عدوا آخر من أعداء العقل وهو سياسات الثروة، مفسراً امتناع العامة عن المشاركة بفاعلية في الحوار المجتمعي نظراً لأنهم صاروا متلقين ولم يعودوا مشاركين في تلك الحوار مثلما كان عليه الحال عند مؤسسي الولايات المتحدة الأوائل، هذا الامتناع أتاح للفاسدين من ذوي الثروات صياغة تلك السياسات بدلاً منهم، ويحدد ذلك بقوله إنه عندما يكتفي الناس بالمشاهدة والاستمتاع ولا يكون لهم دور في الحديث تكون الممارسة الديمقراطية برمتها خادعة.
ويوضح أنه ما دام لدى الناخبين قدرة حقيقية حتى الآن على انتخاب زعمائهم، فليس أمام من يرغبون في شراء السلطة بالثروة، سوى أن يفعلوا ذلك جزئياً عن طريق الإنفاق على توسيع حملات العلاقات العامة في محاولة لصياغة آراء الملايين الذين يقضون وقتاً طويلاً في مشاهدة التلفاز.
ويبدو الأمر في بعض الأحيان كما لو أن الحديث الديمقراطي يتم فعلاً، لكنه يتدفق في اتجاه واحد بالأساس، من هؤلاء الذين يجمعون مالاً يكفي لشراء الإعلانات التلفازية، إلى أولئك الذين يشاهدون الإعلانات وليس لديهم من وسائل الاتصال المؤثرة في الاتجاه المعاكس إلا قليل.

القوة الغاشمة
بعد التحليل الذي قام به جور لباقي أعداء العقل والمتمثلين في الأكاذيب المحبوكة، والهجوم على الفرد. عمد إلى تحديد الأضرار الناجمة عن الاستبدال المستمر للقوة الغاشمة والفساد المؤسسي بالعقل والمنطق، وتأثيرها السلبي على أهم مرتكزات السياسة الأميركية، وهي الأمن القوي، الأمن البيئي، أمن الطاقة، وحماية الحريات والارتقاء بالمصلحة العامة، لافتاً إلي أنه في كل حالة من هذه الحالات يمكن إيجاد أكثر السبل فعالية لعلاج هذه الأضرار من خلال فهم أعمق لكيفية حدوث الضرر وأسباب حدوثه.
وفي نهاية الكتاب يحاول آل جور تقديم خريطة طريق لاسترداد صحة الديمقراطية الأميركية وصلاحيتها مقترحاً استراتيجية لإعادة تقديم العقل دوره الصحيح في قلب العملية التشاورية لحكم الذات، لافتاً إلى أنه بقدر ما تتمتع به شبكة الإنترنت من إثارة، فإنها لا تزال تفتقر في الوقت الحاضر إلى الخاصية الوحيدة الأشد فاعلية التي يتمتع بها الوسط التلفازي، لأنها بسبب أسلوب بنائها وتصميمها لا تصلح لأن تكون وسيلة لنقل أفلام الفيديو بالحركة الطبيعية والزمن الحقيقي كما ينقلها التلفاز، ويسعى جور أيضاً إلى بحث هذا العيب المؤقت لشبكة الإنترنت محاولاً استكشاف مواطن القوة العديدة التي تجعلها مصدراً للأمل بالنسبة إلى مستقبل الديمقراطية.

كتاب مصر الثّورة

"مصر الثّورة "، كتاب يعرض فيه الكاتب "محمد أبو بطة"، أوضاع مصر بدءاً من ثورة الخامس والعشرين من يناير، مستعرضاً شتّى المراحل الّتي مرّت بها الدّولة المصريّة، مدقّقاَ في تفاصيل الأحداث بمنتهى الموضوعيّة والرّصانة الفكريّة ومنتقداً بشكل لاذع كيفيّة تعامل المصريّين مع الأوضاع الرّاهنة إن على مستوى الحكّام والمسؤولين وكيفيّة إدارتهم للأزمة في الوطن وإن على مستوى الشّعب المصري وكيفيّة استيعابه لخطورة الظّروف الرّاهنة.

لا يرمي الكاتب من خلال هذا الكتاب تحليلاً سياسيّاً وحسب وإنّما يريد به تقويم السّلوك الإنسانيّ الفكري والمعرفي، من خلال إيقاظ الحسّ التّحليليّ لدى المواطن بهدف مراقبة الأحداث، فينمّي فيه الوعي السّياسيّ والتّحليليّ لتجنّب نتائج كارثيّة قد تأتي بها الصّراعات والنّزاعات الحاصلة في السّاحة المصريّة، سواء أكانت صراعات طائفيّة أم سياسيّة.
يتدرّج الكاتب في تحليله منطلقاً من أزمة ما قبل الانتخابات المصريّة الّتي أثارت الكثير من البلبلة عقب إعلان جماعة الإخوان المسلمين عن ترشيح مرشّحاً للإخوان للمنصب الرّئاسي. ويقرأ الكاتب الواقع المتازّم بموضوعيّة متميّزة ثم يعرض الوقائع بتفاصيلها ويحلّلها بدقّة، فينقل فكر كلّ التّيارات والأحزاب، حتّى الهواجس الشّعبيّة وذلك بعرض الرّأي والرّأي المضاد مناقشاً كلّ الثّغرات السّياسيّة الّتي حضّرت للأزمة المصريّة والّتي ساهمت باشتعال الأزمة لاحقاً. كما يشدّد الكاتب على دور الإعلام الأساسيّ والمحوريّ في الأزمة ويحمّل المسؤوليّة لجميع القوى الثّوريّة في ما تدفعه مصر اليوم من ثمن باهظ إذ يقول: "لا بد أن أسجل أنّ جميع القوى الثّورية أخطأت خطأً تاريخياً يوم غادرت الميادين فور تنحّي رأس النّظام السّابق! فقد أسقط الشّعب الرّئيس ولم يسقط النّظام! هذه الحقيقة التّاريخية وهذا الخطأ التّاريخي يدفع الشّعب المصري ومن ثمّ مصرنا الحبيبة ثمنه حتّى الآن!"
ينطلق الكاتب في تحليله من الأحداث التّاريخيّة ليسقطها على الأزمة الحاليّة فيكوّن رؤية واضحة تبرّر نتيجة ما يحصل في مصر اليوم إن على الصّعيد السّياسيّ أو الاقتصدي أو الاجتماعيّ. ويبيّن مدى تورّط الأحزاب في البحث عن مصالح شخصيّة وفرديّة لا ترقى إلى مستوى مصلحة البلاد، والدّخول في زواريب السّياسة المقيتة الّتي تحقّق مصلحة السياسات العالميّة والّتي لا يهمّها مصلحة الدّولة المصريّة. ويخلص إلى تبيان التباسات الحالة الانتخابيّة من ناحية قلّة الوعي الانتخابي بما يتضمّنه من نقص في التّدريب على العمليّة الانتخابيّة، ومن ناحية تأثير الإعلام من خلال برامجه السّياسيّة الّتي ترمي إلى تحليلات ومناقشات أقلّ ما يقال فيها وهميّة واستباقيّة، ومن ناحية التّطلّع إلى شخص الرّئيس المنتخب وإلى الجماعة أو الحزب الّذي ينتمي إليه دونما الاهتمام بمصلحة الوطن والتّضافر والتّعاون في القيام به من جديد.
يمكننا تقسيم الكتاب إلى ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: أزمة مصر ما قبل الانتخابات حتّى فوز مرشّح جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحريّة والعدالة بمنصب رئاسة الجمهوريّة وغالبيّة المقاعد النّيابيّة في مجلس الشّعب المصري.
- المرحلة الثّانية: الإخوان المسلمون وكيفيّة إدارة الحكم، والتّأثيرات الخارجيّة على الإعلام المصري والصّراع القائم في السّاحة المصريّة.
- المرحلة الثّالثة: إعلان سقوط الرّئيس المصري د. محمد مرسي والبديل الأسوء، عودة حكم العسكر.
من هنا يمكننا القول أن الكاتب بنى تحليله ثم صياغة النّصوص على مراحل أربعة معتمداً المعايير التّالية:

1- المنهج التّحليلي:
يمنهج الكاتب تحليله المستخدم في معالجة الواقع، انطلاقاً من أحداث سابقة موظّفاً إيّاها في الأحداث الآنيّة فنرى تدرّجاً تطوّريّاً محدّداً يصل من خلاله إلى واقع الحقائق السّياسيّة. ولا شكّ أن الكاتب يرى جذور الأزمة في النّظام السّابق الّذي مهّد إلى حدوث أزمة ما بعد الثّورة، إذ إنّ الفساد الّذي تملّك الدوّلة والمسؤولين فيها سبّب خللاً كارثيّاً في البنية الأساسيّة للدّولة، اقتصاديّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً. ممّا أدّى إلى استحكام في أركان الدّولة ويبيّن بذلك أنّ النّظام ما زال قائماً رغم سقوط رأس النّظام، ويحاول بشتّى الوسائل استعادة حضوره القويّ على السّاحة المصريّة مفتعلاً غالبيّة الأحداث الّتي أدّت إلى تدهور الحالة المصريّة.
ولا يزال الكاتب يتعمّق في ثغرات الأزمة الحاليّة أي ما بعد الانتخابات، ويظهر للقارئ ضلوع جماعة الإخوان المسلمين فيها إذ إنّهم وهم يعلنون أنّ هدفهم الدّائم هو الدّعوة، إلّا أنّهم يبتغون الوصول إلى السّلطة. ومن يتأمّل نشاطهم السّياسي المتناقض والّذي يبرّرونه بحركيّة السّياسة، يفهم أنّ هدفهم السّلطة. "وعندما نتأمل موقف الإخوان المسلمين بهدوء سنقرأ العجب ونكتشف العجب!  فهم يتلوّنون مع كلّ موقف ويبرّرون كلّ قرار حتّى لو كان القرار الأوّل عكس القرار الثّاني تماماً! وعندما تسألهم يجيبونك بكلّ بساطة أنّ السّياسة عالم الحركة وليست عالم الجمود! ويبرّرون أنّ من يتمسّك بالسّكون والجمود سيجد نفسه خارج الميدان (بالطبع خارج ميدان السياسة!). إذن فهدفهم الأسمى ليس الدّعوة بل السّلطة والحكم!...  ويشير الكاتب أنّ حلّ الأزمة يكمن في فصل الجماعة عن الحزب السّياسي وليس دمج الاثنين في إدارة السّلطة، إذ إنّ من أراد الدّعوة عليه تطليق السّلطة والعكس صحيح، فرجل الدّعوة يختلف عن رجل السياسة. فإن احترف الأوّل السياسة سيجد نفسه في مأزق خطير، وإن احترف الثّاني الدّعوة فلن يجد مريدين كثيرين له لأنّهم سيشكّكون في نواياه. " فهل يفعلها الإخوان بمنتهي الشفافية أم أنهم سيكتبون نهايتهم العملية بأيديهم في عصر الشفافية الذي نعيشه  وسنعيشه إن شاء الله؟!." والجدير بالذّكر أنّ جماعة الإخوان المسلمين عاشت ما يقارب السّتين عاماً جماعة محظورة النّشاط، كما عانت المطاردة والسّجن والاعتقالات والإعدام بلا محاكمات ردحاً من الزمن...  " وما إن قامت الثّورة حتّى سارعت الجماعة المحظورة للخروج إلى النّور وافتتاح مقرّات رسميّة لها مع رفع شعارها عليها ثمّ أعلنت عن تأسيس حزب سياسي لتمارس الجماعة السّياسة من أوسع أبوابها وبطريقة مشروعة وقانونيّة !." وما لبثت الجماعة بعد معركة شرسة وفوز مرشّح الحزب والجماعة بمنصب رئاسة الجمهوريّة، أن تصرّفت باستعلاء تجاه من انضمّوا إلى حزب الحرّيّة والعدالة فالولاء في الأساس للجماعة وليس للحزب، " فتمّت إعادة تشكيل القيادات على المستويات العليا والوسطى والدّنيا ليكتشف أعضاء الحزب من خارج الجماعة أنّهم خارج تلك التّغييرات والتّشكيلات على جميع المستويات!". وستعزّز هذه الإخفاقات لاحقاً، كما يشير الكاتب، إلى المزيد من الخوف من سيطرة التّيّار الإسلامي. هذا الخوف الّذي يتأرجح بين المنطق والمبالغة، في حين يشهد الإسلام اليوم حرباً شرسة وقاسية إعلاميّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً. ولا شكّ في أنّ هذا الخوف قد يكون غير مبرّر أحياناً إلّا أنّه في مكان تساهم السّياسات والحركات المتطرّفة في المزيد من تشويه صورة الإسلام وكأنّي بها حركات مأجورة تلعب دوراً أساسيّاً في هذه الحرب.
ولا يغيب عن الحقائق السّياسيّة من وجهة نظر الكاتب تعمّد السّياسات العالميّة كالسّياسة الإسرائيليّة والأميريكيّة الاستفادة من الأزمة المصريّة بل تعزيز الصّراعات في الداخل المصري. إنّ ضعف الدّولة المصريّة يحصّن الداخل الإسرائيليّ ويحافظ على قوّة إسرائيل، خاصّة وأنّ الدّول المجاورة لها كالعراق وسوريا تشهد صراعات  داخليّة عنيفة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى كلّما ضعف جهاز الدّولة وبنيته الاقتصاديّة ستُغرق الدّولة الأميريكيّة مصر بمزيد من الدّعم المالي حتّى تنال ما تخطّط من أجله. وبالتّالي يصبح القرار المصريّ تحت رحمة القرار الأميركي، ما يسميه الكاتب احتلالاً. بالمقابل لا ينفي الكاتب ميلاد معارضة حقيقيّة أنتجها الإعلان الدّستوريّ، إن جاز التّعبير، فشهدت مصر معارضة حقيقيّة، ( جبهة الإنقاذ الوطني)، إلّا أنّها فقدت بريقها ومؤيّديها عندما استمرّت في غيّها ورفضها الحوار الوطني مع الرّئيس والحكومة، بعد أن جاء الاستفتاء في ديسمبر ليعلن أنّ للشعب المصري وللعالم أجمع أنّ الشّعب المصري يؤيّد الرّئيس مرسي.
إنّ التّحليل الّذي رمى إليه الكاتب بدءأ من أزمة ما قبل الانتخابات مروراً بأزمة الحكم وانتهاء بإعلان سقوط الرّئيس مرسي، يعود إلى حسن عرضه للحقائق بشفافيّة ودون انحياز لفريق أو لآخر، معتمداً التّحليل المنطقي والموضوعيّ غير متأثّر بالعواطف الشّخصيّة. " فالإنسـان الّذي تتحكّم بـه العواطف لا يرى إلّا جانبا ًواحداّ من المـــوقف". (سبينوزا).

2- المعلومات المستخدمة:
استخدم الكاتب معلومات واقعيّة، منطلقاً من أرض الواقع حتّى بلوغ غايته المرجوّة وهي إظهار الحقائق وفق تحليل سياسيّ ناضج لا يهدف إلى تعزيز الصّراعات، ولا يقصد إشعال الفتن السّياسيّة والطّائفيّة، وإنّما إلى كسر الضّبابيّة المحيطة بالجوّ العام المصري وتبيان الحقائق، لعلّ هذا التّحليل يعيد التحام الشعب الواحد بعد أن انقسم بين معارض وموال حتّى وصل به الأمر إلى الاصطدام في ما بينه. كما يريد الكاتب من هذه الحقائق، تبديد الخوف المسيطر على البعض أو الأغلبيّة من الفكر الإسلامي الّذي بحسب رأيه، يحسن أن يأخذ فرصته، بعد أن اختبر الشّعب المصري السّياسة الدّيكتاتوريّة وسياسة الانفتاح والسّياسة الرّأسماليّة الفاحشة. ويميّز الكاتب بين الفكر الإسلامي والحكم الدّيني الّذي يدعو إليه البعض بهدف السّلطة، ويؤكّد أنّ الإسلام ليس بحاجة لجماعة الإخوان المسلمين، إذ يقول: " إن الإسلام أكبر من أي جماعة مهما كانت! فقد كمل الإسلام في حياة الهادي البشير محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولم تعد هناك حاجة لظهور دعوة جديدة بمرشد جديد إلّا إذا كان هذا المرشد يريد أن يدلّنا إلى دين جديد بأتباع جدد!.".  ويزيد قائلاً: " إنّ الإسلام ونبيّ الإسلام علّم النّاس التّفكير والتّدريب على القيادة لا التّدريب على الانقياد بلا تفكير!.
كما أنّ كلّ المعطيات والمعلومات الّتي استند إليها الكاتب ليست رأياً شخصيّاً وإنّما حقائق يعرفها الجميع إلّا أنّ الاختلاف عليها اختلاف نظريّ. من هنا يتدبّر الكاتب في جعل هذه الحقائق وهذه المعلومات قاعدة أساسيّة يحرّك من خلالها فكر المواطن فيرى الأمور جليّة  ويبقى له إمّا أن يقتنع برؤية الكاتب المستقبليّة وإمّا أن يناقشها.
3-  قدرة الأفكار المتولِّدة في القبض المعرفي على الوقائع الماضية، أو الوقائع الرّاهنة:
ونعني بهذا قدرة الكاتب على تفصيل الحقائق وقدرته على تبيان الإيجابيّات والسّلبيّات والغوص في التّفاصيل، وتفكيك مضمونها ثمّ نقدها لبلوغ هدفه الأسمى الّذي هو كسر مفهوم الإنحياز الأعمى لطرف أو لآخر واعتبار المصلحة العليا للوطن فقط، أيّاً كان توجّه الأفراد أو التّيّارات الحزبيّة والسّياسيّة. فعندما يكون الهدف مصلحة الوطن ينبغي التّنازل عن بعض التّشبّث والتّطرّف بالآراء حتّى ننهض بالوطن بدل أن تتحوّل أعظم ثورة عرفها التّاريخ الحديث، على حدّ قول الكاتب، ونعني بها الثّورة المصريّة، إلى معقل للوطن فيسقط هو بدل أن يسقط النّظام.
في نصّ بعنوان "الشّعب يريد إسقاط الوطن"، يحمّل الكاتب مسؤوليّة الشّرذمة الوطنيّة لكلّ الشّعب المصري على حدّ سواء، بدءاً من الرّئيس المصري د. محمد مرسي، مروراً بجماعة الإخوان المسلمين، والتّيّار السلفي الجهادي، وجبهة الإنقاذ، ووزارة الدّاخليّة، والإعلام، ورجال النّظام السّابق، والموظّفون وصولاً إلى الشّعب. ويحمّل بذلك كلّ منهم مسؤوليّة إسقاط الوطن من خلال إخفاقات كان يمكن تفاديها لو أنّ مصلحة الوطن كانت الأولى. ولا يخفي الكاتب خيبته بما وصلت إليه الحالة المصريّة، إذ يقول: " يشترك الجميع في إسقاط الوطن ولن أجافي الحقيقة إذا قلت أن العالم أجمع بلا استثناء يريد إسقاط مصر الثورة! ولكن ما يدمي القلب ويملأ القلوب حسرة أنّ أبناء الوطن أنفسهم يريدون أيضاّ إسقاط مصر... فالعالم الغربي كلّه بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكية يريد إسقاط مصر الثّورة خاصّة بعد وصول مرسي لسدّة الحكم خشية نجاح المشروع الإسلامي فتحذو جميع الدول الإسلامية حذوه فتضيع المصالح الغربية للأبد!.  والعالم العربي أيضاّ يريد إسقاط مصر الثّورة وأيضاّ بعد وصول مرسي لرئاسة الجمهورية لأنه سيشجع التيارات الإسلامية على تكرار التجربة المصرية – حال نجاحها – في كل البلاد العربية وهو ما لا يريده حكام تلك الدول ملوكاّ كانوا أم رؤساء جمهوريات!. والعالم الغربي والعربي لا يمثّل شيئاّ بدون الشّعب المصري نفسه لذا استدرجوا الشّعب المصري كلّه بلا استثناء ليساعدهم في إسقاط مصر!."
4- القدرة، من خلال تحقيق ما سبق، على التّنبؤ بالوقائع القادمة:
بناء على ما سبق من عرض للوقائع وتحليلها والتّعمّق بها، يعرض الكاتب رؤيته المستقبليّة في البديل الأسوء، ( عودة حكم العسكر ). ويبني رؤيته أوّلاً على حالة الفوضى الّتي تشوب الدّاخل المصري في غياب مريب للأمن الدّاخلي، ثانيّاً على المشاكل المفتعلة والّتي ستفتعل، ثالثاً الانحدار السّياسي والاقتصادي والاجتماعي، ليكون الحلّ الوحيد للأزمة بل الحلّ الأسوء، هو عودة حكم العسكر عن طريق انقلاب عسكري، وليس عن طريق عودة المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة (وإعلان السيسي - نفسه - رئيساً للجمهوريًة حتًى إجراء انتخابات برلمانيًة جديدة ). وينبّه الكاتب ويشدّد على خطورة هذا الحلّ الّذي قد يكون هو البديل الوحيد، ويرسم ملامح المستقبل الأسود، وليس أفضل منه في التّعبير عن هذا المستقبل الأليم في قوله: "  لو حدث هذا البديل – لا قدّر الله- سيتمّ القبض على كلّ النّخبة السّياسيّة الحاليّة حكومة ومعارضة! سيتمّ إعلان الأحكام العرفيّة من أوّل لحظة لآخر نفس في حياة السّيسي! سيعود القهر والإرهاب والذلّ! لن يعترض أحد ولن يخرج الشّباب مرّة ثانية ولن تقوم لنا قائمة ولن تكون لنا قيمة بل سنكون أسوأ الشّعوب قاطبة! لن يرحّب بنا أحد ولن نرى النّور ثانية!. "
في كتاب لعلّه الأفضل بين الكتب السّياسيّة، وبنظرة واقعيّة وموضوعيّة واتّزان فكريّ وعاطفيّ، وحرّيّة رأي وتعبير تدرك مدى مسؤوليّة الكلمة، وتأثيرها على المتلقّي، ساهم الكاتب المصري القدير " محمد أبو بطّة " بتأريخ مرحلة من تاريخ مصر، موجّهاً القارئ العربي بشكل عام والقارئ المصري بشكل خاص إلى أهمّيّة تقييم الأمور وتحليلها والنّظر إليها من زوايا مختلفة حتّى يصل إلى نتيجة واحدة، ألا وهي النّهوض بمصر. ولا يحصر الكاتب معنى مصر في كونها دولة عربيّة قويّة وحسب، إنّما يتطلّع إلى مصر أمّ الدّنيا، الحضارة الحاضنة لكلّ الشّعوب على مختلف أديانهم وانتماءاتهم واعتقاداتهم. مصر الّتي نظم فيها شاعر النّيل حافظ ابراهيم قصيدة طويلة، نجتزئ منها هذين البيتين للدلالة على مصر الحضارة والتاريخ والقوة:
وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً
          كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي

وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَه
          رِ كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي
المصدر: موقع المثقف
المقالة لـــ مادونا عسكر

ملخص كتاب صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي

اسم الكتاب : صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي
تأليف : صموئيل هنتنغتون
ملخص الكتاب : 
صموئيل هنتنغتون هو أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفرد وهو من أشهر المفكرين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة الأمريكية وفي كتابه "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي" يطرح هنتنغتون أفكاراً نظرية في هذا السياق ثم يقدم العديد من البراهين والأدلة لتأييد أفكاره النظرية تلك وهو بالإضافة إلى ذلك يغطي الكثير من الموضوعات والقضايا التي تطرق إليها وهذه تشمل: فكرة الحضارات، إشكاليتها حضارة إنسانية أو كونية، العلاقة بين القوة والثقافة، توازن القوة المتغيرة بين الحضارات، والتأصيل الثقافي في المجتمعات غير الغربية والتركيب السياسي للحضارات، الصراعات التي ولدتها العالمية الغربية، الأصولية الإسلامية، وإعادة تأكيد الصينية، ردود الفعل لنهوض القوى الصينية، أسباب وديناميات حروب خط الصدع (بين الحضارات) ومستقبل الغرب وعالم الحضارات. هذا وإن الأطروحة الأساسية لهذا الكتاب هي أن الثقافة أو الهوية الثقافية، والتي في أوسع معانيها الهوية الحضارية، هي التي تشكل نماذج التماسك والتفكك والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة. وعلى هذا تكون الكتاب من خمسة أجزاء تحتوي على 12 فصلاً، وهذه الأجزاء الخمسة هي عبارة عن توسع وتطوير نتائج ذلك الافتراض الرئيسي: الجزء الأول: يرى المؤلف بأنه ولأول مرة في التاريخ فإن السياسة العالمية هي في آن واحد متعددة الأقطاب ومتعددة الحضارات وأن التحديث مختلف عن الغربنة. الجزء الثاني: يتحدث عن توازن القوى بين الحضارات الآخذ في التغير؛ فالغرب يتقهقر في نفوذه النسبي، والحضارات الآسيوية تقوم بتوسيع قواها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، والإسلام يتفجر سكانياً مصحوباً بنتائج عدم الاستقرار للدول الإسلامية وجاراتها والحضارات غير الغربية بشكل عام، وهي الآن تؤكد مرة أخرى قيمة ثقافاتها وفي الجزء الثالث تحدث هنتنغتون عن انبثاق النطاق العالمي الذي أساسه التنوع الحضاري. فهناك مجتمعات تتقاسم روابط ثقافية تتعاون مع بعضها البعض، والدول تجمع نفسها حول الدول الأساسية أو الرائدة أو الكبرى من نفس حضارتها.
ويؤكد المؤلف في الجزء الرابع على دعاوي العالمية والإنسانية التي يطرحها الغرب والتي تضعه بشكل متزايد في صراع مع الحضارات الأخرى، وبشكل أكثر خطورة مع الإسلام والصين، وعلى المستوى الإقليمي حروب خطوط الصدع والتي تقع بشكل رئيسي بين المسلمين وغير المسلمين تؤكد الحشود التي تؤيدها دولة تشاطرها حضارتها، وتهدد بتوسع حدود الصراع، وبالتالي تبذل الدول الكبرى مجهوداً من أجل إنهاء هذه الحروب.
وفي الجزء الخامس والأخير يؤكد هنتنغتون على أن استمرار حياة الغرب تعتمد على الأمريكيين وهم بعيدون تأكيد هويتهم الغربية وعلى سكان العالم الغربي وقد هيأوا حضاراتهم على أنها متميزة وليست عالمية، وقد اتحدوا لغرض تجديدها وصيانتها ضد التحديات من المجتمعات غير الغربية.
هذا وقد شغل كتاب صدام الحضارات الجماهير والمثقفين منذ أكثر من ستّ سنوات، ولقد كتبت تعليقات ضد صاحب أطروحة صدام الحضارات برفضها، ومنها ما يؤيدها بصورة صريحة أو ضمنية ومنها من يقترح بديلاً عنها حوار الحضارات، وبما أن العرب أكثر المستهدفين في هذا العالم الجديد ولنشر الوعي بهذه الأطروحة تمّت ترجمتها وتحليل مضمونها، وآلياتها المختلفة ودلالاتها بالنسبة للعالم والوطن العربي وتداعياتها المختلفة، وخاصة أن هذه الأطروحة تؤدي وظائف متعددة في المنظومة الأيديولوجية للغرب.
ونظراً لما ساد هذه الأطروحة من فوضى وعدم تنسيق في النسق، وخللٍ في المنهجية التي يتبعها المؤلف، وسعياً للمساهمة في تحديد الأهداف الكامنة خلف أطروحة صدام الحضارات، كان لا بد من فك آليات ومنطلقات خطاب صدام الحضارات، فقام الدكتور عبيد أبو شهيوة بإعداد دراسة حول المنطلقات الفكرية والسياسية لخطاب صدام الحضارات والآليات التي يعتمد عليها في طرح المفاهيم وفي إقناع الآخرين واكتساب المؤيدين، جاءت هذه الدراسة في البداية تحت عنوان: مساهمة أولية للوعي بالآخر: منطلقات وآليات صدام الحضارات.

كتاب ثروة الأمم

اسم الكتاب : ثروة الأمم
تأليف : ادم اسمث
ملخص الكتاب :
إن العمل السنوي لكل أمة هو رأس المال الرصيد الذي يمدها أصلاً بنا تستهلكه هذه الأمة سنوياً من ضروريات الحياة وكمالياتها، والتي تتكون دائماً إما من النتاج المباشر لهذا العمل، أو مما يشترى بهذا النتاج من أمم أخرى.
وتكون الأمة أحسن إمدادا، أو أسوأ إمداداً بكل ما تحتاج إليه من ضروريات وكماليات، تبعأً لما يتصف به هذا النتاج، أو ما يشترى به، من تناسب مع عدد الذين يستهلكونه.

ولكن لا بد لهذا التناسب من أن ينظم في كل أمة بمقتضى ظرفين مختلفين، أولاً، مدى ما ينتظم مزاولة عملها من مهارة، وسداد رأي، وثانياً، بالتناسب بين عدد المستخدمين في العمل النافع، وعدد غير المستخدمين في عمل عكذا، فأياً ما كان نوع التربة، أو المناخ، أو سعة أفقليم الذي تحتله أمة من الأمم، فإنه ينبغي لوفرة إمدادها السنوي أو ندرته، في هذه الحال المخصوصة، أن تعتمد على هذين الظرفين.

كما يبدو أن وفرة هذا الإمداد أو ندرته تعتمدان أيضاً على الظرف الأول أكثر من اعتمادهما على الظرف الثاني. ففي أمم الصادين الوحشية يكاد كل فرد قادر على العمل أن يستخدم في عمل نافع، ويسعى قدر الوسع والطاقة في تحصيل ما يستطيعه من ضروريات الحياة وكمالياتها لنفسه، أو لمن كان من عائلته أو عشيرته عاجزاً، لكبر السن أو لصغرها، أو لعاهة تعوقه عن الخروج إلى قنص الحيوان أو صيد الأسماك. ومع ذلك، فإن أمثال هذه الأمم الوحشية تعاني من بؤس الفاقة، أو تعتقد، على الأقل، أنها مضطرة أحياناً إلى مباشرة تقتيل ذراريها، ومسنيها، والمصابين بأمراض مزمنة فيها، وأحياناً أخرى إلى تركهم يهلكون جوعاً أو طرحهم فرائس للسباع الضارية. والأمر خلاف ذلك عند الأمم المتمدنة والمزدهرة، فمع أن عدداً كبيراً من أهاليها لا يشتغلون البتة، ومع أن الكثير منهم يستهلكون عشرة أضعاف، وأحياناً مئة ضعف، ما ينتجه القسم الأكبر ممن يزاولون العمل، فإن ما ينتج عن عمل المجتمع بكامله كبير إلى حد أن الجميع كثيراً ما يحصلون على وفرة من الإمداد، كما يتاح للعامل،

في أدنى وأفقر مراتب العمل، أن يتمتع، إذا ما كان مقتصداً ومجتهداًن بنصيب من ضروريات الحياة وكمالباتها، أكبر مما قد يتاح لأي رجل متوحش أن يحوزه.

إن أسباب هذا التطور في قوى العمل الإنتاجية والترتيب الذي يحكم التوزيع الطبيعي لنتاجها على مختلف مراتب الناس ومنازلهم في المجتمع تشكل موضوع الباب الأول من هذا البحث.

مهما بذلت أمة ما من البراعة، والمهارة، وسداد الرأي في إتمام العمل فإن وفرة إمدادها السنوي أو ندرته يجب أن تعتمد خلال استمرار هذه الحال، على النسبة القائمة بين عدد الأشخاص المستخدمين سنوياً في العمل النافع وبين عدد غير المستخدمين على هذا النحو. وسوف يتبين فيما يلي أن عدد العمال المنتجين والنافعين يتناسب في كل مكان مع كمية رأس المال المستعمل في تشغيلهم، والوجه المخصوص الذي يستعمل فيه. لذلك، يعالج الباب الثاني طبيعة رأس المال، والطريقة التي يتراكم فيها تدريجياً، ومختلف كميات العمل التي يحركها، تبعأً للأوجه المختلفة التي يستعمل فيها.

فالأمم التي قطعت شوطاً كبيراً في مجال البراعة، والمهارة، وسداد الراي في مزاولة العمل، قد اتبعت خططاً مختلفة في إدارة العمل وتوجيهه، وقد لا تتساوى هذه الخطط من حيث مواتاتها لزيادة حجم هذا الناتج. فبعض الأمم اعتمدت سياسة لا نظير لها في تشجيع العمل الريفي، بينما اعتمدت أمم أخرى سياسة التشجيع للعمل المديني. ولا تكاد توجد أمة تعاطت بصورة متساوية وغير منحازة مع كافة أصناف العمل. فمنذ انهيار الإمبراطورية الرومانية، لم تزل سياسة أوروبا تميل إلى الفنون، والصناعات اليدوية والتجارة، والعمل المديني أكثر مما تميل إلى الزراعة، والأعمال الريفية. والظروف التي يبدو أنها قد تسببت في اعتماد هذه السياسة مشروحة في الباب الثالث.

ومن الجائز أن تكون هذه الخطط المتنوعة قد اعتمدتها في البداية مصالح وآراء خاصة بطبقات معينة من الناس، من دون أي التفات أو تبصر بالنسبة إلى عواقبها على الصالح العام للمجتمع، ومع ذلك فإنها قد تسببت بنظريات مختلفة في الاقتصادي السياسي يعظم بعضها أهمية هذه الصناعة التي تزاول في المدن، بينما يعظم بعضها الآخر تلك الصناعة التي توازل في الريف. وقد كان لهذه النظريات تأثير كبير لا في آراء العلماء فحسب، بل وفي السلوك العام للأمراء والدول ذات السيادة. وقد حاولت في الباب الرابع أن أشرح، بأوضح وأتم ما أستطيع، هذه النظريات المختلفة، والآثار الرئيسية التي خلفتها في مختلف العصور والأمم.

إن شرح ما يتكون منه دخل جمهور الناس، أو ما كانت عليه طبيعة الأموال التي أمدتهم بما يستهلكونه سنوياً في مختلف العصور والأمم، هو موضوع الأبواب الأربعة الأولى هذه. أما الباب الخامس والأخير فيتناول داخل حامل السيادة أو الحكومة. وقد سعيت في هذا الكتاب أولاً، إلى تبيان ماهية النفقات الضرورية لحامل السيادة، أو الحكومة، وأي هذه النفقات ينبغي أن تسدد بمساهمة من المجتمع بأسره، وأي منها ينبغي أن يسدده قسم معين منه فحسب، أو أفراد معينون من المجتمع، وثانياً: ما هي الطرق المختلفة التي يمكن اعتمادها لجعل المجتمع بأسره يساهم في تسديد النفقات المترتبة على

المجتمع كله، وما هي أهم مزايا كل من هذه الطرق وما هي مساوئها، وثالثاً وأخيراً، ما هي الأسباب التي دفعت كل الحكومات الحديثة تقريباً إلى رهن قسم من هذا الدخل، أو الاستدانة، وما كانت آثار هذه الديون على الثروة الحقيقية، والناتج السنوي للأرض ولعمل المجتمع.

في كتاب "ثروة الأمم" (نشر عام 1776) وضع آدم سميث أساس الاقتصاد السياسي. فهو أبو الاقتصاد وأحد أبرز رواد الليبرالية الاقتصادية.

رأى سميث أن الوصول إلى الثروة هوالغاية الأساسية للاقتصاد، وكان للمواضيع التي تطرق إليها (العمل، القيمة، الريع، السعر، التوزيع..) أثر بالغ في تنظيم علم الاقتصاد السياسي.

اعتبر سميث أن ثروة كل أمة تقاس بقدرتها الإنتاجية، وتناول الإنتاجية كمقياس للثروة التي يمكن مضاعفتها بتقسيم العمل. واهتم بطرق توزيع الثروة في المجتمع ووسائل تنظيم التجارة وتقسيم العمل، إضافة إلى أطروحاته المتعلقة بحرية السوق واليد الخفية التي تساهم في دفع الحركة الاقتصادية وتشجيع الاستثمار، ودعوته إلى الحد من تدخل الدولة المباشر في تنظيم العمل.

كتاب "ثروة الأمم" مرجع تاريخي لا غنى عنه للدراسين والقراء، ومن هنا أهمية ترجمته التي يمكنها أن تعيد معاينة أفكار سميث الخلافة في ضوء النظريات الاقتصادية الحديثة وتيارات العولمة.