الأكثر مشاهدة

“حياة في الإدارة ”، كتاب فريد في نوعه وطريقة سبكه، فهو سيرة ذاتية سلطت الضوء على الجانب الإداري من حياة المؤلف، وهي التي، أي السيرة، كانت ح...
اسم الكتاب :  صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي تأليف :  صموئيل هنتنغتون ملخص الكتاب :  صموئيل هنتنغتون هو أستاذ العلوم السياسي...
اسم الكتاب :  صديقي لا تأكل نفسك تأليف :  عبد الوهاب مطاوع ملخص الكتاب : الكتاب يقع في 114 صفحة من القياس المتوسط وهو مجموعة مقالات ...
اسم الكتاب :  ثروة الأمم تأليف :  ادم اسمث ملخص الكتاب : إن العمل السنوي لكل أمة هو رأس المال الرصيد الذي يمدها أصلاً بنا تستهلكه هذه ...
اسم الكتاب :  لماذا نصلي؟ تأليف :  محمد اسماعيل المقدم ملخص الكتاب :  لماذا نصلي؟ هل سبق و سألت نفسك هذا السؤال؟ ولو سبق و فعلت فهل اس...
اسم الكتاب :  صديقي ما أعظمك تأليف :  عبد الوهاب مطاوع ملخص الكتاب :  بدءًا من عنوانه ومرورًا بما تحتويه ثناياه من تجارب واقعية ومواقف...

كتاب رؤية استراتيجية: أميركا وأزمة السلطة العالمية

الكتاب واحد من اهم المؤلفات التي تشغل اهتمام الباحثين والمختصين بالعلاقات الدولية والاستراتيجية ،كونه يمثل رؤية تحليلية لمفكر من اهم المنظرين الاستراتيجين في العالم ،حيث تعد كتابات زبيغنيو بريجنسكي الذي شغل منصب مستشار الامن القومي الامريكي في عهد الرئيس كارتر من الاهمية بمكان ،بحيث لايمكن الاستغناء عنها في تحليل وتشخيص قضايا السياسة الدولية .

في كتابه رؤية استراتيجية "امريكا وازمة السلطة العالمية" ،يناقش بريجنسكي التحديات التي تواجه المكانة الامريكية في النظام الدولي ومستقبل النظام الدولي في ضوء مؤشرات تراجع الدور الامريكي وانتقال القوة العالمية من الغرب للشرق ،حيث ان عدم استغلال الولايات المتحدة الامريكية الفرصة السانحة التي وفرتها النهاية السلمية للحرب الباردة بعد زوال الخطر السوفيتي وانفراد القطب الامريكي بالعالم والذي لم يدم طويلا بفعل ادارة الرئيس جورج بوش الابن وتأثير الازمة الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة واوربا مقابل بروز دور القوى الاقتصادية الصاعدة التي نجحت في المزج بين سياسة التحرير الاقتصادي ورأسمالية الدولة ،كل ذلك ادى الى ظهور المخاوف على مستقبل القوة الامريكية وقيادتها للنظام الدولي .
بيد ان بريجنسكي يؤكد على حتمية القيادة الامريكية للنظام الدولي شريطة حل مشكلاتها الداخلية وتبني استراتيجية مستجيبة لمصالحها الاقليمية المختلفة ،حيث يتعين عليها ان تعزز وحدة اكبر واوسع في اوربا وصولا في اخر المطاف الى ضم روسيا وتركيا الى غرب اكثر حيوية ،اما في الشرق فلا بد لها من العمل على تحقيق التوازن والمصالحة بين قوى المنطقة الصاعدة ،وعلى تجنب التورط العسكري المباشر في صراعات القارة الاسيوية مع ادامة تحالفها مع اليابان وعلى ترسيخ علاقة تعاونية عالميا مع الصين.وللاجابة على ذلك يطرح بريجنسكي في طيات كتابه اربع تساؤلات مركزية تتمثل في :ماهي الاثار المترتبة على تغيير القوة العالمية من الغرب الى الشرق ؟وماهي اعرض انحدار امريكا اقليميا ودوليا وكيف اضاعت فرصتها في الريادة ابان الحرب الباردة ؟وماهي العواقب الجيوسياسية في اعقاب الانخفاض المتوالي لامريكا بحلول العام 2025؟وهل يمكن للصين ان تحتل مركزية دور امريكا في شؤون العالم ؟وماالذي تحتاج اليه امريكا لاستعادة نشاطها وايجاد توازن جيوسياسي جديد بعد عام 2025؟في اجابته عن السؤال الاول يخصص بريجنسكي الباب الاول من الكتاب للبحث في مااطلق عليه الغرب المتقهقرويقدم في ضور ذلك ثلاث مقاربات تتمثل الاولى في البحث في انبثاق القوة العالمية ،الذي يمثل استطراد تاريخي لظهور القوى الدولية والتي كانت اوربية في معظمها قبل القرن العشرين الى تدخل الولايات المتحدة الامريكية في الحربين العالميتين للحيلولة دون التفوق الالماني لتعلن بروز قوة جديدة متمتعة بحماية جيوسياسية جيدة ومن ثم صراع الحرب الباردة الذي انتهى بتفكك الاتحاد السوفيتي وانتصار القطب الامريكي –الغربي ،والتي لم تتمكن من الحفاظ على ذلك،ليتبلور اخيرا بتحرك القوة العالمية من الغرب لتستقر في الشرق.
امامقاربته الثانية تتحدث عن صعود اسيا وتشتت القوة العالمية،ويؤكد من خلاله بريجنسكي ان صعود اسيا يتمثل بتصاعد المكانة الاقتصادية لليابان والصين والهند ومااحدث ذلك من متغير فاعل في تراتبية القوة العالمية مصحوبا باندثار القوة الغربية –الامريكية وعدم استطاعة القوة الاوربية بريطانيا وفرنسا والمانيا العمل سويا في اطار الاتحاد الاوربي وتشكيل قوة اوربية موحدة سياسيا،حيث يظهر الاتحاد بمظهر الانقسام والتشتت بوحدته السياسية والتي لم يكن عليه الحال في الوحدة الاقتصادية فضلا عن ذلك عدم قدرة هذه القوى على تحمل مسؤولية القيادة العالمية لعدة مشكلات داخلية وخارجية .
وفي ثالث مقاربة يقدمها بريجنسكي في هذا الباب هي صدمة اليقظة السياسية العالمية ،حيث يشير الى ان العالم الان يشهد يقظة سكانية شبابية تختلف عن واقع العالم التقليدي ،اذ ان ثورة الاتصالات والمعلومات اسهمت بشكل كبير في تطور الوعي السياسي لمجمل سكان العالم ،ويمكن اعتبار الثورة الفرنسية المحطة الاولى في بروز ذلك الوعي ومااتبعها من تطورات ومتغيرات في السياسية الدولية مرورا باختراع الراديو وما صوت هتلر انذاك الا دليل واضح على ذلك ثم ظهور التلفزيون وشبكة الاتصالات ووصولا الى ظهور الانترنت وماعبر عنه من تطور كبير في عالم التواصل بين قارات العالم المترامي الاطراف ،ولم يغفل بريجنسكي على التركيز على اثر الفقر والتخلف في حياة السكان واعتبارها مناطق حاضنة للتطرف واثارة العنف ،ثم يتحدث عن دور الشباب العاطلين عن العمل الذين يعانون الفقر والظلم والاستبداد والذي انتج التغييرفي الشرق الاوسط في اشارة الى مايعرف بالربيع العربي.
اما في الباب الثاني من الكتاب فيبحث بريجنسكي في انكسار الحلم الامريكي متمثلا في اعراض انحدار امريكا اقليميا ودوليا وكل مامن شأنه ان يحدث نتيجة لتراجع الدور الامريكي في العالم،يتحدث بريجنسكي عن الحلم الامريكي المشترك من خلال قوة امريكا التي زاوجت بين المثالية والمادية فلايزال الوصول الى شواطئ امريكا يمثل حلم للكثير من الشباب في العالم الطامحين لحياة افضل وفرص عمل يوفرها واقع الفضاءات الرحبة والمفتوحة لامريكا وغياب التقاليد الاقطاعية ،فضلا عن مثالية امريكا الناتجة عن صورة النظام السياسي الامريكي المستقر وبطابعه المؤسساتي الذي حرص واضعو الدستور الامريكي على ان يبدو مثاليا براقا.
الاان بريجنسكي يبحث فيما بعد في نقاط ضعف الولايات المتحدة الامريكية ،ونقاط الضعف هي اولا معدل الدين القومي العام الذي تجاوز نسبة 60%من الناتج القومي الامريكي بينما ثانيا دين مالي مختل واما ثالثا تباين اجتماعي متعاظم ناتج عن الفرق الشاسع بين المواطنين الامريكيين في الحصول على الدخل وفيما يخص رابعا بنية تحتية متهالكة قياسا بالصين والقوى الاوربية الرئيسة واما الضعف الخامس هو هشاشة امريكا ،حيث جمهور جاهل لايعرف شئ عن جغرافية العالم والاحداث الراهنة والاحداث المحورية في تاريخ العالم واخيرا سياسة مأزومة نابعة من نظام سياسي متزايد الاختناق ومفرط في حزبيته.
ويحاول بريجنسكي تقديم مقومات القوة الامريكية التي يمكن من خلالها استعادة المكانة العالمية،وهي اولا قوة اقتصادية اجمالية حيث لايزال الاقتصاد الامريكي الاقوى في العالم بنسبة 25%من الناتج الاجمالي العالمي واما ثانيا فتمتلك امريكا طاقة ابداعية ابتكارية مستمدة من ثقافة مبادرة ومؤسسات تعليم عال متفوقة ،وفيما يخص ثالث نقاط القوة الامريكية فهو قوتها السكانية الديناميكية ،ولدى الولايات المتحدة قدرة على التعبئة التفاعلية متمثلة في قدرة صانعي القرار الاستراتيجي الامريكي على تحشيد الرأي العام الامريكي لمصالح امريكا في الخارج وهومايمكن اعتباره رابع مقومات القوة الامريكية ،اما الذخر الخامس فهو امتلاكها قاعدة جغرافية متميزة عن باقي القوى المنافسة ناتجة من موقعها الجيوسياسي المنعزل تقريبا عن العالم ووحدة سكانها وعدم معاناتها بمشكلات مع جيرانها ،اما ذخر امريكا السادس هو احتضانها باقة من القيم متمثلة في الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الانسان.
يختتم بريجنسكي الباب الثاني بالحديث عن حرب امريكا الامبريالية الطويلة والتي جاءت في اطار الحرب على الارهاب ضد كل من افغانستان والعراق والتي كانت مع حلول عام 2010 اطول حربين في تاريخ امريكا ،ومانتج عن ذلك من انعكاسات سلبية على مكانة امريكا في العالم والتي جسدتها الازمة الاقتصادية في اوضح صورة لها .
وفي الباب الثالث من الكتاب يجادل بريجنسكي بشأن عالم مابعد امريكا بحلول عام 2025والذي يستشرفه عالما ليس صينيا وانما فوضويا،فمن غير الممكن تصور بروز قوة كبرى تكون لهامقومات قيادة سياسية وعسكرية واقتصادية وهو مالايتوافر في القوى المرشحة فاليابان لاغنى لها عن التحالف الامني الاستراتيجي الامريكي والهند مرتبطة اقتصادياوسياسيا بالولايات المتحدة اما روسيا فماتزال تبحث عن اعادة السيطرة على مجالها الحيوي في الجمهوريات السوفيتية السابقة ،واما فيما يخص دول الاتحاد الاوربي فهي بعيدة عن امكانية توحيد سياسي ،واما الصين فمشكلاتها الداخلية الاجتماعية وطابعهاالسكاني الانفجاري وخلافاتها مع جيرانها تمنعها من انتاج قوة عالمية تتطلع لقيادة النظام الدولي .
ثم يتناول بريجنسكي الدول الاكثر تعرض للخطر الجيوسياسي في حالة تراجع دورامريكا وستظهر قائمة من الدول مثل اوكرانيا المهددة بالابتلاع من قبل روسيا ،وتايوان الذي تسند في وجودها على الضمانات الامريكية والذي اذا ماحدث اي تراجع فستصبح منطقة نفوذ صينية بلامنازع ،وكوريا الجنوبية التي تعاني صراعهامع كوريا الشمالية بسبب تمايزهما الاقتصادي،حيث سيؤدي اي تراجع امريكي الى تهديد امنها القومي بشكل لم يسبق له مثيل ،واما بيلاروسيا فهي تتمتع بعلاقات ايجابية مع روسيا بيد ان اي تراجع امريكي من شأنه ان يقدم فرصة امنة لروسيا لابتلاع بيلاروسيا بحد ادنى من استعمال القوة،واذاما تحققت الخطوة السابقة بنجاح تصبح اوكرانيا في بوتقة القوة الروسية الجديدة وماهو يعيد القلق من امكانية اعادة تشكيل الهيمنة الروسية على مناطق شرق ووسط اوربا.كما ان اي تراجع لدور امريكا في العالم يمكن ان تصبح افغانستان بموجبه موقع لتنافس باكستاني هندي ايراني كما يمكن في الوقت نفسه ان تعود افغانستان لتكون قاعدة ليس لتصدير المخدرات وانما ملاذا امنا للارهاب الدولي ،ولعل الحال ينطبق كذلك على باكستان التي قد تكون فريسة لنزاع هندي صيني يهدد الاستقرارفي المنطقة ،واخيرا فأن ابرز منطقة يمكن رؤية حدوث اكبر اظطرابات فيها هي الشرق الاوسط والذي سينتج عن تدهور دور امريكا عدم امكانية انهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وتبدد حل الدولتين وامكانية صدام مباشر بين الحركات الاسلامية حماس وحزب الله المدعومة من ايران ضد اسرائيل .
كمايذهب بريجنسكي الى الاعتقاد بنهاية حسن الجوار الامريكي مع المكسيك بسبب عدة عوامل ابرزها المشكلات الناتجة من هجرة اعداد كبيرة من المكسيكين الى امريكا بطريقة غير شرعية وهو مااسهم بتعقد العلاقات نتيجة لذلك والذي دفع الحكومة الامريكية لبناء جدار عازل على حدودها مع المكسيك فضلاعن ازدياد مشكلة نقل المخدرات من المكسيك الى امريكا.
يختتم بريجنسكي الباب الثالث من الكتاب في تناول المشاعات العالمية غير المشتركة والتي تقسم الى الاستراتيجة والبيئية،تشمل الاستراتيجية البحر والهواء والفضاء والميدان النووي ،اما المساحات البيئية تشمل المضاعفات الجيوسياسية لادارة الموارد المائية والمحيط المنجمد الشمالي وقضايا التبدل المناخي. ويؤكد انه فيما يتعلق بالمشاعات الاستراتيجة من الصعوبة الوصول الى اتفاق بين القوى الدولية المتنافسة لادارتها بسبب تباين المصالح اضافة الى ان معظم هذه المشاعات تقع تحت السيطرة الامريكية وحتى مع تراجع دور امريكا فأنها لن تستغني عن امتيازاتها لصالح القوى الاخرى ، وسيسهم ذلك في سباق نووي واخر للوصول الى الفضاء ممايجعل ذلك العالم يبدو اكثر فوضوية .اما فيما يخص المشاعات البيئية فأن العالم سيدخل في صراعات طويلة بسبب ندرة الموارد والمياه ،كما ان قضايا التحول المناخي تحظى من الاهمية بمكان ،بحيث لايمكن تجاوزها في تحليل ودراسة مستقبل النظام الدولي وابرزها الخلافات الدولية حول تحمل نفقات ادارة هذه الملف ومن ذلك ان الصين التي تنتج اكبر قدر من الانبعاثات الغازية الى العالم بنسبة 21%بيد انها ترفض الاظطلاع بدور الريادة في قضايا تغيير المناخ ،فضلا عن الصراع على ملكية المحيط المنجمد الشمالي في حال ذوبانه ومايحويه من النفط والغاز والمعادن التي تطل عليه خمس دول وهي امريكا وروسيا وكندا والدانمارك والنروج .
اما في الباب الرابع من الكتاب يتصور بريجنسكي واقعا دوليا مابعد عام 2025تتمثل ابعاده في توازن جيوسياسي جديدوتنبع تلك الرؤية الاستشرافية من رؤية هشاشة اوراسيا فيحدد بريجنسكي رؤيته الاستراتيجية لامكانية استعادة الولايات المتحدة الامريكية لمكانتها الدولية من خلال توجهاتها الجديدة والتي تتحقق اول ابعادها عبرانشاء غرب اوسع ودناميكي وحيوي ،يستفاد من اوربا المتجددة ويوسع حددودها،وذلك بضم روسيا وتركيا بتجربتهما المختلفتين وبرؤيتهما المتباينتين .
اماثاني ابعادها فأنها تتمثل في شرق جديد مستقر ومتعاون ويوصي بريجنسكي بتحقيق ذلك من خلال ضم الصين بفلسفتها التنموية الجديدة والهند كديموقراطية اكبر وادامة التحالف مع اليابان وكوريا ويرى في الصين اساسية في تحقيق الاستقرار ولايمكن الاستغناء عن دورها.
وفي الخاتمة فأن كتاب رؤية استراتيجية لبريجنسكي يمثل اهمية كبيرة كونه يقدم مقاربة غنية وجادة من خلال رؤية تحليلية استشرافية لدراسة امكانية تغلب امريكا على نقاط ضعفها وحل مشكلاتها الداخلية باستراتيجية مستجيبة لمصالحها الاقليمية المختلفة من اجل استعادة الولايات المتحدة الامريكية لمكانتها العالمية .
المصدر: 
محمد معزز الحديثي
الحوار المتمدن-العدد: 4311 - 2013 / 12 / 20 - 20:57
معلومات عن الكتاب :
اسم الكتاب : رؤية استراتيجية :امريكا وازمة السلطة العالمية 
تأليف :  زبيغنيو بريجنسكي
الناشر/دار الكتاب العربي/بيروت
الطبعة الاولى /2012
عدد الصفحات/222