الأكثر مشاهدة

“حياة في الإدارة ”، كتاب فريد في نوعه وطريقة سبكه، فهو سيرة ذاتية سلطت الضوء على الجانب الإداري من حياة المؤلف، وهي التي، أي السيرة، كانت ح...
اسم الكتاب :  صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي تأليف :  صموئيل هنتنغتون ملخص الكتاب :  صموئيل هنتنغتون هو أستاذ العلوم السياسي...
اسم الكتاب :  صديقي لا تأكل نفسك تأليف :  عبد الوهاب مطاوع ملخص الكتاب : الكتاب يقع في 114 صفحة من القياس المتوسط وهو مجموعة مقالات ...
اسم الكتاب :  ثروة الأمم تأليف :  ادم اسمث ملخص الكتاب : إن العمل السنوي لكل أمة هو رأس المال الرصيد الذي يمدها أصلاً بنا تستهلكه هذه ...
اسم الكتاب :  لماذا نصلي؟ تأليف :  محمد اسماعيل المقدم ملخص الكتاب :  لماذا نصلي؟ هل سبق و سألت نفسك هذا السؤال؟ ولو سبق و فعلت فهل اس...
اسم الكتاب :  صديقي ما أعظمك تأليف :  عبد الوهاب مطاوع ملخص الكتاب :  بدءًا من عنوانه ومرورًا بما تحتويه ثناياه من تجارب واقعية ومواقف...

رواية ضحك مجروح

لو سألت نفسك ما هو الشيء الذي يضحكك ويبكيك في آن واحد، لوجدت أن عقلك فكر كثيراً قبل أن يجيب؛ فليس هناك ما يجعلني أضحك وهو في نفس الوقت يجرحني ويبكيني.
بالنسبة لبلال فضل فقد وجد الكثير من المتناقضات في مجتمعه جعلته يصيغ لنا هذه الرواية الساخرة، الحاملة في طياتها ما يضحك الشفاه ويدمي القلوب في نفس الوقت.
جعل من كتابه “ضحك مجروح” المرآة التي نرى فيها كل جروحنا المضحكة، أو ضحكاتنا المجروحة؛ فلا فرق بالنسبة له بين الوصفين ما دام الضحك والجرح كالتوأم السيامي لا يفترقان.
لن تذهب بعيداً فالكتاب القصصي الذي يسرد لنا مجموعة من القصص، والمواقف بلغة مليئة بالإيحاءات ومخلوطة بالعبارات الرائجة في اللهجة المصرية؛ سيجعلك تتأكد أنك في مصر وأنك الآن ستراها بعين الكاتب، ولن تسمع إلا ما يدور في مخيلته.
إذن فلتربط الأحزمة، ولننطلق لنحط رحالنا في أول محطة من محطات “ضحك مجروح”

فتوى في البوس...
المظهر الخارجي يجعلنا في أغلب الأحيان نخطئ الحكم على الأشخاص؛ فربما نقيمهم بعكس ما تحمله أخلاقهم وأفكارهم، وهذا ما حصل مع كاتبنا الذي اعتبره سائق التاكسي البسيط  “شيخاً” نظراً للحيته الكثيفة التي تكاسل عن حلقها؛ مما وضعته في موقف محرج مع السائق.
فهذا الأخير كان كل همه أن يجد من يفتيه في تصرف طالما إعتاد  القيام بِه بحسن نية ليجد نفسه يشبه تصرفه هذا على حسب قول من حرم تقبيل النقود “ياما ناس بتخرج من الدين كمروق السهم من الرمية” فاحتار الرجل وتكاثفت الأسئلة والخوف بداخله؛ هل أنا بتقبيلي النقود خرجت عن الملة و الدين؟ هل حسن نيتي تحولت إلى حرام أوثم عليه؟؟, فكانت لحية الكاتب طوق نجاته من الأسئلة، رغم أن صاحبنا لا علاقة له بالفتوى ولا بالحلال والحرام؛ كل ما كان ينتويه هو الوصول إلى هدفه الذي خرج من بيته ذلك الصباح مستعجلاً دون حلق لحيته.
حرج “الشيخ” المزعوم حال دون أن يفصح عن هويته التي كادت الكتب التي يحملها أن تفصح بذلك؛ فقد قال “شحنة الضلال المنبعث من الكتب جعلتني أفكر للحظات أن أخلع قناع المشيخة” لكنه تردد ولم يستطع أن يهرب من السؤال الملح ( هل تقبيل النقود حرام؟)، فقد أصبح كل الناس تبحث عن من يفتي في تصرفاتها، وأصبحت سفاسف الأمور أكثرها طلباً للفتوى؛ كل هذا خاطر الكاتب لكنه لا زال في نفس الوضع  عليه أن يجيب ولم يكن مُنقذه سوى كتاب “شخصيات غير قلقة في الإسلام” للمفكر العراقي الراحل (هادي العلوي) منحه الفكرة لكي يجيب ببساطة تجعله في نفس الوقت يراوغ في الإجابة المباشرة والحاسمة؛ كانت الفكرة التي قدمها على طبق من _ حديد_  يجب أن ينطلق من نيته و إحساسه هو، فليس كل ما نفعله يستلزم الفتوى؛ الإجابة لم تقنع السائق لأنه لا يريد التفاوض مع نفسه، إنما يريد شماعة يعلق عليها تصرفاته.
لكن للأسف عزيزي السائق لن تنال مبتغاك فقد قرب نزول زبونك …

إما اعتدلت...وإما اعتزلت.
أحلامهما مر بالنسبة للمخير، فكاتبنا يخاطب من يراه طيلة 30عاماً لا يتغير ولا يتبدل يناشد فيه التغيير، ويستعطف فيه التجديد؛ لكنه لا زال كما هو، توسم الأمل و الخير ولم يجد منه سوى الروتين والتكرار؛ في الوهلة الأولى عندما تقرأ ما يكتبه ستعرف أنه  يتحدث عن ركاكة الوضع السياسي و السياسيين عن من هم  مسؤلون عن التغيير فلا يتغيرون، فكل جملة يصف بها الشخص المنشود لا تخلو من عبارات الإصلاح و التجديد؛ فقد قالها له مراراً و تكراراً إما اعتدلت وإما اعتزلت... لكنك كلما غصت في رسالة المؤلف اكتشفت فئة جديدة ربما هي التي يقصدها بلومه وعتابه ربما يقصدك أنت، أو يقصدني أنا، أو يقصد بعابرته “ إن إخفاءك معالم الشيب في رأسك سيجعلنا نظن أنك لا تشيخ ولا يؤثر عليك الزمن وإن ظهورك دائماً لامعاً متأنقاً سيجعلنا ننسى أنك حاضر في حياتنا منذ زمن بعيد..” كل من يتصنع القوة و الشباب و يتجبر على من هم تحت سلطة.
أكيد إنك تسأل من يقصد المؤلف؟ فلا يعني بكلامه سوى شخص واحد ألا وهو الفنان هاني شاكر بعد إصدار ألبومه الجديد.

سلاح المقاومة.
ربما لم أعب على الكاتب شيء قاله فيما قبل، لكنني وجدت في هذه القصة التي دارت في مصعد برج من أبراج المعادي، ما لا يليق أن يسمى بسلاح مقاومة؛ فالمقاومة أسمى وأرقى من أن تقرن بأتفه الأشياء. فقد جاءت الصدفة أن يلتقي صاحبنا عند باب المصعد بشخص منعه من دخول المصعد بحجة أنه محجوز للسيد “عضو مجلس الشعب” مما أشعل بكلماته تلك نار الحقد، وزاد بداخله الإسرار على الصعود في ذلك المصعد بالذات قائلاً “ طب عليا الحرام ما أنا طالع إلا لما يجي البيه العضو بتاعك وأشوف ليه مش عايز يركب مع الشعب” فقد إستفزه تعجرف السياسي الذي هو في الأصل يجب أن يكون أقرب للشعب من غيره لأنهم إئتمنوه على مصالحهم وحقوقهم؛ هذه هي الكلمات التي كانت تغلي في حلق الكاتب، فقد حانت الفرصة التي يعبر فيها عن كل ما يحمله من شحنة سالبة تجاه تلك النوعية من الأشخاص، لكن إستسلام الخادم جعله يضغط زر الطابق المنشود، ويصعد بهدوء وهو يحلم أن يمثل ما يدور بداخله من ثورة أمام مرآة الحمام.
توقف المصعد عن الحراك وعاد أدراجه ليجعل الكاتب في وجه السيد المرموق وليتشاركا نفس المصعد. بدأت الشتائم والعبارات الهائجة تتدفق إلى فم الكاتب، لكن عيناه ألجمتا شجاعته بعد أن لمحتا السلاح الذي بحوزت الحارسين للسيد العضو؛ وتخيل وضع عائلته لو باح بما في جعبته فمصيره لا محال الموت؛ كان الشر والخير يتصارعان بداخله والإستسلام والمقاومة يتعاركان، فمن سادت كلمته في الأخير؟؟ هذا ما ستعرفه عندما ستقرأ سلاح المقاومة، و ستعرف أن السكوت وعدم التعبير عن الرأي أحياناً لا يعتبر جبناً إنما حبنا لمن هم أهم شيء في حياتنا يجعلنا نؤثر الصمت على فقدان من نحب، وضيق هالة الحرية تخنق فينا التعبير عن ما بداخلنا فنختار الرد بطرق أخرى غير الكلام.

عمود سبعة راكب.
لا تستغرب العنوان فمؤلفنا بخياله الواسع صاغ لنا العبارات التي جاءه إلهامها من ما يكتب على مؤخرات “التكاتك” وسيارات الأجرة، فقد كان يتحدث بالأصل على أعمدة الصحافة التي وصف بعضها بالجيد و يحب القراءة لهم، والأخرى على حد قوله “ لا يستحقون سوى أن يعلقوا على أعمدتهم حتى تأكل الطير من رؤوسهم”؛ تمنى كثيراً لو أن الجرأة المخطوطة على مؤخرات وجوانب سيارات الأجرة موجودة في “ مَنشطات” الصحافة، لكنه سرعان ما أدرك أن خياله الجامح سيؤدي به للهلاك، وسيواري صاحب المَنشِط وراء الشمس للصراحة البالغة. لينقلنا بعد ذلك بتساؤله، لماذا فقط أصحاب الأجرة والتكاتك وسبعة راكب هم من يكتبون هذه العبارات، ويزينون سياراتهم بأسماء أنجالهم مصاحبة بعبارات “و كان أبوهما صالحاً” ولا يهتم بذلك أصحاب السيارات “ الملاكي” و لا أبناؤهم بقدر ما يهتمون بكتابة السيارات نفسها بأسمائهم.
فلا جواب لهذا إلا الصمت؛ فقد (مات الكلام).

جيمس بن بوند عندنا...يا مرحبا يا مرحبا!
ستقع عينك على تواريخ محددة تبين لنا الأحداث التي جرت فيها؛ فقد كلف الكاتب السارد هنا من قبل “ مجلة جوردنيوز سينما” بكتابة فيلم عن جيمس بوند تدور أحداثه في مصر؛ تحمس كثيراً للعرض وأطلق العنان لخياله فنسج قصة رومانسية تجمع فتاة مصرية بالبطل الخارق جيمس بوند، لكنه لن يحكي لنا القصة، فهو هنا يسرد لنا ما ترتب عن تأليفه ذلك الفلم من متاعب؛ لتتوالى الأشهر و تمضي الأيام وحلمه في تحقيق العالمية يندثر ويتبدد يوماً بعد يوم ، فكل الجهات عارضت عليه فكرة ارتباط فتاة مصرية بأجنبي حتى لو كان من جمح الخيال؛ إلى أن إنتهت أوراق الفيلم في يد ظابط الشرطة الذي يحقق في ملف إنتحار المؤلف.
كانت النهاية كذلك لكنها بالنسبة لنا البداية لنفكر في أعماق القصة ونقرأ ما بين السطور، بغض النظر عن ما إذا كنا نؤيد المؤلف أم لا..؟؟ فالقمع؛ والإظطهاد وجهان لعملة واحدة.

حصتك في مصر.
من منا لا يحب وطنه ويعشق ترابه، لكننا نسأل كثيراً أنفسنا هل أوطاننا تبادلنا نفس الحب!؟
ربما نسأل ذلك لما نراه من معاني القمع وإلغاء الحقوق فيها. بلال فضل فكر أن يصف لنا حب الوطن “ لعم لاشين” الفكهاني الذي لا يبيع إلا بلحاً طول السنة و الذي لا يسلم من تسلط البلدية عليه و مطالبته بحقهم من الرشاوي في ماله. و يصف لنا سيد “ سكانر” الشاب الطائش الذي طرد من العمل بسبب تعاطيه للمخدرات، و محاولته إبتزاز والد حبيبته الذي رفض تزويجه إياها. كل هذه المظاهر نعيشها ونراها، لكن من المسؤول عنها؟ نحن أم الوطن؟
لن أجيب، فالسؤال لا يحتاج جواباً إذا كان ما وصفه بلال فضل “ بحصتك في مصر” لم تجعل “ عم لاشين” و “سيد سكانر”  إلا أن يضحكا إستهزاءاً، فلم يعد سوى أن نعيد النظر في حب أوطاننا لنا.

رجماً بالغيب.
الغيب لا يعلمه إلا الله، لكن فضولنا يجعلنا  نفكر أحياناً في أشياء غريبة، هي ربما لايمكن أن تكون إلا في الخيال كما سيحكي لنا هنا الكاتب عن صديقه الذي أتى لهم بساعة رقمية تقدم عداً تنازلياً لإنتهاء فترة الرئاسة الثانية للرئيس الأمريكي “ جورج بوش”  فقد جمعهم الفضول في بيت الصديق القادم من بلاد الغرب بهذه الآلة الغريبة.
في الحقيقة لم يكن إعلان إنتهاء فترة رئاسة الرئيس الأمريكي هي ما تعنيهم؛ إنما كانت فكرة تجريب الساعة على تحديد فترة إنتهاء رئاسة الرئيس المصري حسني مبارك؛ ربما إستطاعت أن ترجم بالغيب و تخبرنا متى ستنتهي الفترة السادسة في الحكم؟ لتفاجِئهم الآلة بسؤال أدهى و أمر (أنهي مبارك فيهم؟).

أيها الراقدون فوق الشعوب أفيقوا..!
هي عبارة صريحة لكل الرؤساء الذين يقمعون شعوبهم ويخنقون فيهم حرياتهم، ويستبعدون الموت من قاموس كلماتهم. أغلبنا إن لم نكن كلنا نستغرب منظر الحكام والرؤساء في صلاة الجنازة، وهذا ما يقوله بلال فضل، يشرح لنا عدم تصديقنا لهم وهم واقفين متخشبين لا نحس فيهم أي تذلل و لا تأثر بالموقف الذي هم فيه؛ ربما ذلك لما ذكرناه قبل، لنسيانهم الموت وتعاليهم عليه، لرقودهم على أعلى المناصب، وإمتلاكهم زمم الأمور، لا يتخيلون أنفسهم في نفس الوضع. “وإذا كان الموت الذي نعلم جميعاً أنه كفى به واعظاً لن يعظ الحكام العرب فما هو الذي يمكن أن يعظ الحكام العرب غير “بوش” و “كونداليزا رايس”. هذه هي الجملة التي جمع فيها بلال فضل كل ما نسأله ونحسه؛ فليتهم يفكرون فيما سيجيبون خالقهم حين سيسألهم!.

في فلسفة الغيارات.
عندما ستصل إلى هذه الجزئية من الرواية ستجد نفسك، أمام مقارنة غريبة، مضحكة لحد ما لكن ما ستتركه في نفسك من تحسر على حال الأمة والدول العربية، سينسيك الضحك وسيجعلك تفكر مراراً وتكراراً؛ أين نحن من التغيير ومن فلسفة التغيير وسياسة التغيير؟؟ وهل ركاكة الواقع الذي نعيشه أنسانا أن نغير في حياتنا ومجتمعاتنا؟!
ستفكر كثيرا بالتأكيد، وستجد نفسك أمام العنوان التالي في الرواية.

شاطرون في الإملاء.
من منا لا يعرف الإملاء أو حتى كان يكره هذه الكلمة في أيام دراسته؛ أخطاءنا كثيراً فيه، وكما يقول بلال فضل كان الفشل والنجاح في نظر من حولنا يبنى على نجاحنا أو فشلنا فيه؛ فكبرنا وكبر بداخلنا الإملاء لا تتحرك الحياة بدون وجوده في تفاصيلها، فكل يملي على الأخر ما يجب القيام به؛ لا تحركنا قدراتنا ومهاراتنا بقدر ما يحركنا ما يملى علينا ممن حولنا، فكل المجالات لا تخلو من الإملاء، الصحافة تكتب ما يملى عليها والمسؤلون يقولون ما يملى عليهم، و..... لن أجد تعبيراً أشمل مما قاله بلال فضل”ولست أدري ماذا نقول لله عز وجل إذا سألنا يوم القيامة: لقد خلقتكم أحراراً فلماذا قررتم أن تعيشوا كما يملى عليكم؟”

الأصفر مع الجرين.
لن نذهب بعيداً ستجد في أصفر مع الجرين نفس المعنى السابق أو ربما أننا تعودنا على قول جمل متناسقة لا معنى لها فلا يهمنا معناها أو مضمونها المهم ألا تفضح عدم فهمنا للأشياء.
اللونين في العنوان يؤكدان لك أنك في في معرض للفن التشكيلي لوزير الثقافة المصري؛ واللوحات لم يشبها بلال فضل إلا برسومات أبنته؛ لم يفهمها أحد والكل لا يجرؤ  على سؤال سيد الوزير عن ما تعنيه لوحاته وألوانه، لكن يكفينا أن نسمع ما يقوله الفنانين الحاضرين المتأملين وهم يصتنعون علامات الإنبهار على وجوههم؛ لنعرف أننا لا نزال نحتاج الكثير من الوقت لنطرد الظلام الذي بداخلنا كي نرى ما حولنا بوضوح.

شلح زنبق أنا!
أصدقكم القول لو قلت  أني لم أفهم ما يقصده الكاتب بهذه الجمل المتسلسلة والتي جعل لها عنواناً أغرب منها، لكني  أفهم شيء واحداً أن التعبير ينطلق من عمق الإنسان، ولابد أن يكون صافياً نقياً لكي يترك أثراً طيباً لدى من يتلقاه؛ فربما ما ستقرأه فيما بعد سيجعلك تغفر له غموضه هذا, وسأترك لك أيها القارئ فهم ما لم أفهمه أنا عند قراءتك للكتاب.

عزيزي الشاب لا تلعن الظلام...إلعن الشمعة!
حين ستقرأ ما كتب تحت هذا العنوان ستجد نفسك تسير على الخطى التي رسمها الكاتب دون أن تفكر؛ تتخيل معه هذه الحياة التي يعيشها جل شبابنا؛ فقد لخص لنا بلال فضل هنا مجموع الشعارات والكلمات المكتوبة حبراً على ورق ممن يمثلون دور الوعظ للشباب الفاشل في نظرهم و الجاحد لأوطانهم؛ يكتبون لهم وصفات سحرية تجعلهم يغيرون حياتهم، ويوقدون شمعة بدل العيش في الظلام؛ لتتوالى تعليقات الكاتب الساخرة من هذه الشمعة التي في الأصل نورها لا يضيء شيء في وسط الظلام الحالك لقهر الحياة وإنعدام فرص العمل، وأساليب العيش البسيطة والحقوق المهضومة لهؤلاء الشباب... ففي نظر الكاتب لا يملك الشباب سوى التخيل والعيش في عالم إفتراضي لكي يحب وطنه ويوقد شمعة الأمل.

فين جواسيس زمان.
يستهل بلال فضل بمقولة غريبة فيقول “ليس غريباً أن نفشل في الحصول على المركز الأول في الفشل و نأتي في المركز السادس و الثلاثين بين دول العالم الفاشلة، فكل شيء لدينا تدهور مستواه، حتى الجواسيس” لكن ما علاقة الجواسيس بالفشل و تدهور المستوى؟؟ لو حللنا كلماته هذه سنجد أن الفشل ينتج في أغلب الأحيان عن تراجع المستوى في شتى المجلات،ولكي تتأكد أنك في “ضحك مجروح” لا بد أن تجد العلاقة العجيبة بين الفشل و الجواسيس؛ فالكاتب يرى أن مستوانا تدنى لدرجة أن حتى خيانة الوطن والجاسوسية أصبحت بمحض الصدفة، ليستهزئ بجاسوس الطاقة النووية لمصر الذي  لم يكن ينوي في الأصل أن يخون بلده لكن إكتشافه لشفرة الطاقة النووية كان صدفة حين كان يحاول التعلم على الحاسوب،مما جعلت صاحب العمل يطرده، ليجد نفسه مضطرا لأن يقبض ثمناً مقابل ما بين يديه من معلومات ليضمن إستمرار معيشته.
فلا أعتقد أن هناك جرحاً مضحكاً أكثر من هذا، و الواقع المر يجعل المبرر لما نفعل أَمَر.

الواد و أبوه.
كلنا تربطنا علاقة مميزة بأبائنا ونحب أن نراهم دائماً قدوتنا في الحياة، لكن يبقى الخلاف لا يفسد للود قضية هذا ما حاول أن يصفه لنا بلال فضل في هذه القصة البسيطة الجامعة لكل معاني التفاهم وإحترام الآراء والإختيارات.
قصة “تيدي” مع والده التي أثرت في الكاتب كثيراً ، لأن هذان الأخيران رغم علاقة البنوة والأبوة التي تجمعهما إلا أن ميولهما السياسي فرقهما؛ رغم أن الأب ورث ميوله من أبائه ليورثه بدوره لإبنه كما كان مخططاً؛ لكن تيدي كسر هذه القاعدة وأعلن إنضمامه للحزب المعارض مما أدى بالأب بفرض عقوبة عليه وهو حرمانه من نفقات الجامعة، لكن الإبن أصر أكثر  على موقفه وناضل من أجل قناعته، كسب بذلك ود الناس وإحترامهم؛ الغريب والجميل في نفس الوقت في الأمر أن الإثنين لا زالت تربطهما نفس المحبة والتقدير لبعضهما، ويجمعهم نفس المنزل.
سأعيد نفس الأسئلة التي قالها الكاتب بحرقة؛ متى سنترك أولادنا يكسرون القالب الذي  ورثناه نحن عن أبائنا وأجدادنا؟ لماذا لا نتقبل أن يعارضنا أبناؤنا؟ ونعتبر ذلك عقوقاً رغم أن الله خلق الإنسان حراً؟ متى سنرى أنجال الحكام  يعارضون أبائهم فيتخذون سياسة غير سياستهم؟ ربما قد حان الوقت لنكسر كل الأغلال التي وضعت في أيدي أبنائنا، لكي نرى إبداعاتهم في الحياة.

ولا الخيال العلمي.
هذه المرة تحدث بلال فضل عن ميدانه؛ فإجتماعه بالمنتج القادم من الخارج، الذي إستوحش الروتين الموجود في السينما المصرية آملاً أن يجد عند مؤلفنا أفكاراً جديدة لسينما جديدة مليئة بالخيال العلمي والتشويق، والرعب كالتي ينتجها الأجانب وكسحت العالم بتفوقها.
جيد جداً أن نفكر في التطوير والتجديد؛ لكن الشيء الذي  لفت الكاتب نظر مخاطبه أننا لننتج فيلماً للخيال العلمي لا نحتاج لإمكانيات مادية  فقط بل يلزمنا تغيير الحاضر بأكمله ليصدق المشاهد ما سيراه في الفيلم.
هذا الطموح الجامح للمنتج فجر الألم المكنون بداخل الكاتب، تخيل لو أنه يشاهد مشهداً لفيلم مصري البطل فيه يعود بآلة الزمن إلى الماضي بربع قرن، ماذا سيجد؟ سيجد نفس الحاضر و نفس المعانات و نقص في نفس الاحتياجات!،سيجد نفس الفساد، وسيرى نفس الشوارع والمباني وسيسمع نفس الشكاوي، من الغلاء، وإنعدام الضمائر؛ لن يحس أبداً بالفرق ولن تكون لآلة الزمن قيمة...!
فما نحتاجه ليس تغيير الفن والسينما إنما نحتاج تغيير ما بداخلنا وما حولنا من مناكر وظلم وطغيان؛ فالخيال أسهل ما يمكن أن نوهم به أنفسنا، لكن الواقع كسر كل أجنحة تخيلاتنا.

ذات الحذائين.
منتظر الزيدي هو محور حديث الكاتب هذه المرة؛ ذلك الصحفي العراقي الذي أفرغ شحنة كرهه للإحتلال والأعداء برمي حذائه في وجه الرئيس الأمريكي؛ والكاتب بطبعه لن يُفَوِّت هذه الفرصة ليتخيل ذلك الموقف لو أنه حدث في مؤتمر لرئيس عربي، ما العواقب التي ستنجم عليها؟ فبلال فضل على حق في كل ما قاله، فحكامنا لن يقفوا نفس وقفة “بوش” بعد الإنحناءة المرنة، ولن تكون رمية الحذاء تلك رمية “بريئة”، ستقام الدنيا وتقعد، ويفهمها الرئيس أنها مداهمة للقضاء على حياته؛ وسلب كرسيه الذي قبع عليه سنيناً طوالاً دون منازع.
لن تكفي الجمل لوصف الوضع فكلنا نعرفه ونعيشه، ولن نقبل أن ترمى أحذية في أوجه الإحتلال، إن لم نمنع حكامنا من ضربنا بها.

أزهى عصور التليفونات.
 من ذكاء بلال فضل ودقة ملاحظتة لم تفته أبسط الأمور دون نقدها وإبراز عيوبها وخصوصاً ماتعلق منها بالسياسة، فهو يتحدث عن مراقبة المكالمات من قبل الدولة لإكتشاف العمليات الإرهابية وقد جمع لنا كمية من السخرية على لسان صديقه الذي خاف على نفسه لكثرة إستعماله لتلفون لأغراض شخصية؛ الفكرة في الأساس سليمة لكن  ربما لم يرق لي الأسلوب المستعمل، فمهما تدنت الأوضاع و الوقائع التي نعيشها يجب دائماً أن تكون كلماتنا سامية سمو الأفكار التي تطالب بها.

إنتبه أمامك كمين.
في نفس السياق المعروف لكاتبنا الثائر على ما يراه في مجتمعه من سنين طوال، الذي طفح به الكيل من ظلم وقهر وإستغفال يشرح لنا وجهة نظره في الكمين الطرقي الذي لا يعتبر في الأصل كميناً ما دام ينبه إلى وجوده؛ فقد تعود ذلك المصريون أصبحوا مجبرين على أن يتفاجؤا ويحتاطوا ويمتثلوا لأوامر أمن الدولة؛ فالدولة هنا هي الأمر الناهي والشعب ليس عليه سوى الطاعة.
لو حذرتك حكومتك من الوقوع في كمائن مخطط لها من قبل الحاقدين الراغبين في هدم الأمن وتفكيك الوحدة، فما عليك إلا أن تحذر عزيزي المواطن رغم يقينك أن تكرار الكمين جعل منه شيء ظاهراً ومفهوماً للعيان؛ ولا يحتاج لتحليل سياسي؛ لن أقول لك عزيزي المواطن سوى إنتبه، هم يريدون أن يجعلوك مغفلاً لا تحركك إلا أوامرهم ونواهيهم.

في رثاء الكالسيوم.
سيضحكك الوصف الساخر لأسنان الكاتب فهو لا يلوم أحداً على بشاعتها سوى نفسه لتكاسله في الإهتمام بها؛ إلى أن تدهور حالها, وأصبح الكاتب يخجل من صديقه طبيب الأسنان الذي تعب في تتبعه ونصحه؛ فأسنانه لا تزيد إلا تدهوراً يوماً بعد يوم، وها قد بدأت في التساقط، فلا يذكره بنصائح صديقه سوى الألم، وهذه اللحظة التاريخية التي فقد فيها أول أضراسه فلا عزاء له سوى نقص الكلسيوم في صغره الذي يلوم عليه أمه، لكن في الأصل لا تلام الأم إذا كانت الظروف الصعبة  والفقر هما اللذان حرما أطفالنا من أن يعيشوا حياة صحية تملؤها الفيتامنات والكالسيومات.
ولا نلوم الظروف الصعبة على حالنا لأننا بدورنا تقاعسنا وتكاسلنا وأجلنا عمل اليوم إلى الغد منتظرين العصا السحرية التي تغير كل شيء قبيح في حياتنا  دون أن نغير ما بأنفسنا.

الذين خلو  وجه مصر شوارع.
مهما حاولت تقريبك من مقارنة الكاتب هنا فلن يصلك الوصف إلا حين قراءتك للعبارات التي كررت فيها  كلمة الشوارع كثيراً، فمن الشارع تعرف حال البلد، وسياسة حكامها؛ ولو عرف حاكم مصر قراءة شوارع مصر لما جلس على كرسيه طوال هذه السنين دون أن يحس بـتأنيب الضمير.

بصراحة قولي ما الفرق بينك وبين دكر البط؟
رغم أن ما شاهدته مصر من ثورة أجابت على سؤال بلال فضل في هذه الفقرة التي فجر فيها كل ما كان يلمح به في الفقرات السابقة؛ تمرد هو بدوره على كل تشبيه و إيحاء وتلميح؛ فسالك عزيزي القارئ بلغة صريحة و بسؤال شجاع،
متى كانت آخر مرة تمردت فيها؟  سؤال يهزك من داخلك فيوقِظ فيك الروح النائمة على إيقاع الحياة الروتينية والظروف التي لم نتعود أن نقول لا لأي شيء فيها؛ فلم يقلها  أبناؤنا  وأجدادنا وربونا على ألا نقولها مهما كانت حياتنا مظلمة  تمعن الكلمات عزيزي القارئ، فلن يتركك بلال فضل دون أن تفكر في التمرد على شيء صمت عليه منذ أن ولدت فلن تتحمل على نفسك أن تقارن بالحيوانات وأن يفضل عليك الحيوان الذي في نظره لا يحاسب يوم القيامة ولا يسأل عن سكوته أو خضوعه أو تذلله؛ بالتأكيد ستفكر متى أخر مرة تمردت فيها فالتمرد لا يعني العصيان والعقوق لمن تحب سواء كان وطنك أو أهلك أو حتى نفسك؛ إنما هو إصلاح لما يمكن أن يفقدك حب من تحب.

لا تدعني أتغابى عليك!
كما ستبدأ بالقراءة  ستجد نفسك كأنك تقرأ النهاية لكن بالتأكيد، لن تخرج بدون مغزى فالمهم والجميل أنك في “ضحك مجروح”  لن تمل القراءة والإكتشاف، ستمر في هذه المحطة على “الأصول” المتداول بها في تقاليدنا  وأعرافنا  إلى أصول الدولة المتاجر بها، إلى أن تجد نفسك بين مفترق طرق بين معناها  البسيط ومعناها المشعب والمبهم؛ لا تحتار فالكاتب سيخرجك من المأزق  وسيحول فكرك إلى معنى التغابي الذي عوض كل المعاني الأخرى؛ فهو القناع الذي يتدارى وراءه كل المحتالين على ثروات الوطن مهما كانت مناصبهم؛ وستعرف أن الغباء أو التغابي بمعنى أصح أصبح خبرة يتنافس كل السياسيين الذين في نفوسهم مرض على إكتسابها.

هل أنت مثلي؟
حياءنا يمنعنا في كثير من الأحيان من أن نكتب أو أن نقرأ ما لا نستطيع الكلام به أمام العامة، لكن ربما جرءة الكاتب هنا جعلته يتكلم بطلاقة عن موضوع جريء ومهم في آن واحد مصطلح “ مثلي الجنس “ لم نكن نعرفها  في مجتمعاتنا بل لم تكن مسموح بها أن تذكر في مجالسنا لكي نقبل بكل سهولة تداولها في صحفنا وإستقبالها في أعرافنا؛ ستغضب للوهلة الأولى لكنك ستغفر له عندما تعرف أن كل ما نطق به لم يكن إلا واقعاً نسمعه ونخشى من إنتشاره.

السباكون الجدد.
مع كل عنوان جديد أقف حائرة  بماذا سأبدأ، فجمال المضمون الذي يحمله النص ينسيك الكتابة و يدخلك عالم التأمل؛ لا أنكر أن بعض الألفاظ قطعت عليا رابط المتعة و الإنسجام وجعلتني أتمنى عدم وجودها لكن المعنى الذي يحاول إيصاله هنا ببساطة جميلة، حيث يتحدث عن السباكين أو بمعنى أصح عن إخطلات المهام في مجتمعاتنا وعدم فهم ما نفعله ولا نتقن ما نعمله، رغم أن ديننا الحنيف.